التلبينة هى دقيق الشعير بنخالته
الإعجاز العلمى لحديث رسول الله فى الشعير:
وكان هدية فى تغذية المريض بألطف ما يعتاد من الأغذية , واستخدامه الغذاء كدواء .
ففى "الصحيحين" من حديث عروة عن عائشة أنها كانت إذا مات الميت من أهلها , وأجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن , أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت , وصنعت ثريدا , ثم صبت التلبينة عليه,ثم قالت: كلوا منها,فإنى سمعت رسول الله يقول : " التلبينة مجمّة لفؤاد المريض ؛تذهب ببعض الحزن " [أخرجه البخارى ومسلم].
وعنها كان رسول الله :إذا قيل له :"إن فلانا وجع لا يطعم الطعام ؛قال "عليكم بالتلبينة فحسُّوه إياها " , ويقول"والذى نفسى بيده؛إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ"
التلبين : هو الحساء الرقيق الذى هو فى قوام اللبن , ومنه أشتق أسمه متخذ من دقيق الشعير بنخالته.
قال الهروى: "سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها" قال أبن القيم: وهذا الغذاء هوالنافع للعليل , وهو الرقيق النضيج , لا الغليظ النيئ , وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فأعرف فضل ماء الشعير , بل هو ماء الشعير لهم , فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخا صحاحاً ينفذ سريعا , ويجلو جلاء ظاهراً , ويغذى غذاء لطيفاً .وإذا شرب حاراً كان جلاءه اقوى ونفوذه أسرع , وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر , وتلميسه لسطوح المعدة أوفق وقوله فيها :" مجمّة لفؤاد المريض " يروى بوجهين :بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم والأول أشهر , ومعناه : أنها مريحة له أى تريحه وتسكنه من الآجمام وهو الراحة.
وقوله :" تذهب ببعض الحزن " هذا والله أعلم لأن الغم والحزن يبردان المزاج ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل إلى جهة القلب الذى هو منشأها , وهذا الحساء يقوى الحرارة الغريزية بزيادة مادتها , فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.وقد يقال وهو الأقرب: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة , فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية , والله أعلم وقد يقال: إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليُبْس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء , وهذا الحساء يرطبها , ويقويها , ويغذيها , ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض , لكن المريض كثيراً ما يجتمع فى معدته خلط مرارى أو بلغمى أو صديدى , وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه ويحدره ويميعه ويعدل كيفيته ويكسر سورته فيريحها , ولاسيما لمن عادته الأغتذاء بخبز الشعير , وهى عادة أهل المدينة إذ ذاك وكان هو غالب قوتهم وكانت الحنطة عزيزة عندهم والله أعلم .
روى أبن ماجة من حديث عائشة , قالت : كان رسول الله إذا أخذ أحداً من أهله الوعك ؛ أمر بالحساء من الشعير فصنع , ثم أمرهم فحسَوْا منه , ثم يقول : "إنه ليرتو فؤاد الحزين , ويَسْرُوا فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " [أخرجه ابن ماجه] .
ومعنى يرتوه : يشده ويقويه . ويسرو : يكشف ويزيل .
وقد تقدم ان هذا هو ماء الشعير المغلى , وهو أكثر غذاء من سويقه , وهو نافع للسعال , وخشونة الحلق , صالح لقمع حدة الفضول , مُدر للبول , جلاء لما فى المعدة , قاطع للعطش , مطفئ للحرارة , وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل.
وصفته : أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار , ومن الماء الصافى العذب خمسة أمثاله , ويلقى فى قدر نظيف , ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه , ويصفى , ويستعمل منه مقدار الحاجة محلا [ وهذا فى الشعير الحصى] [زاد المعاد � لأبن القيم]