[center] [center] [center]ملف الصوم..
حكم، وأحكام، وآداب
حكم، وأحكام، وآداب
د. مهران ماهر عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن إدراك شهر رمضان نعمة تستوجب منَّا شكر الله تعالى، وهذه بعض النقاط المهمة التي تتعلق بهذا الشهر المبارك..
تعريف الصوم
الصوم لغة الإمساك.
وفي الشرع: "إمساك عن شهوتي البطن والفرج في جميع النهار بنية"[الشرح الكبير للشيخ الدردير].
أو قل: التقرب لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
فضل عبادة الصوم
قال الله تعالى شاهداً بخيريَّة الصوم: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ
لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184]. وثبت في سنن الترمذي،
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«ألا أدلك على أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ
تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ
الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ» قَالَ: ثُمَّ تَلا: {تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة/16].
وقد جعله الله تعالى في كثيرٍ من الكفَّارات؛ لما له من أثرٍ بليغٍ في إصلاح النفس وتقويم السلوك.
قال تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي
ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى
الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب} [البقرة/196].
وقال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم
وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية
مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة
من الله وكان الله عليما حكيما} [النساء/92].
وقال: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم
أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا
حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}
[المائدة/89].
وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة
أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما
سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} [المائدة/95].
وقال: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من
قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين
مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم}
[المجادلة/3-4].
والصوم يحمل على ترك المعاصي. فالصائم يمتنع عما هو حلال بأصله، فيمتنع
عنه امتثالاً لأمر الله، وهذا يسهل عليه أن يمتنع عما حرم بأصله. فتجد
الصائم يتوضأ لصلاته قد أعياه الظمأ، فيدخل الماء في جوفه، ثم يلفظه
وهو أحوج ما يكون إليه؛ إرضاءً لربه. فالصوم عبادة تزكو النفوس بها ،
وتتسامى به الأرواح، ومن سمت روحه وطهرت نفسه لم تأنس بمعصية الله.
ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه الشاب الذي لا يقدر على
الزواج؛ لما يحققه من العفاف، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [البخاري
ومسلم]، والوجاء: رضُّ الخُصيتين، والمراد أنه قامع للشهوة، فهو يكبح
جماح الشهوة، ويكسر حدتها، وتخبو به ثورتها. قال ابن كثير رحمه الله -في
قول الله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ
فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزاب:35]-:" ولما كان الصوم من أكبر
العون على كسر الشهوة -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر
الشباب... » -ناسب أن يذكر بعده: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ} أي: عن المحارم والمآثم إلا عن المباح" [تفسير القرآن
العظيم (6/420)].
والصوم يُثاب أصحابُه بلا حساب لقول الله تعالى في الحديث القدسي:
«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي
وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ
يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ
رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» [البخاري ومسلم]، ولا غرو في ذلك؛ فهو
عبادة قائمة على الصبر، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. وعند الترمذي
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم نصف الصبر».
وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ
لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وما ذكر
الصائم إلا لعلمهم بعظم أجره. ومثله في الدلالة على ذلك حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي
على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم
النهار» رواه البخاري.
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنَّ ريح الصائم عند الله أطيب
من المسك أخبر به يحيى بن زكريا عليه السلام قومه لما أمره الله بخمس
كلمات أن يبلغهن وأن يعمل بهن، قال لهم: «وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛
فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ
فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ
الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رواه
الترمذي.
والصائمون من أهل المغفرة، قال تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ
كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً
وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].
ومن الشفاعات الثابتة يوم القيامة شفاعة الصيام، قال نبينا صلى الله
عليه وسلم: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ
وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ:
مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ»
[أخرجه أحمد].
والصوم وقاية من النار، فعنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا
الْعَبْدُ مِنْ النَّارِ» رواه أحمد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة وحصن حصين من
النار» رواه أحمد والبيهقي. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ
سَبْعِينَ خَرِيفًا» [البخاري ومسلم]، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله
عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا
كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» [الترمذي].
وهو من أسباب دخول الجنة، ففي الجنة بابُ الريَّان لا يدخل منه إلا
الصائمون، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا
يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ
الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ،
فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ » [البخاري
ومسلم]، ولما جاء أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه
وسلم يقول له: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي
الْجَنَّةَ، قَالَ له: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ
لَهُ» فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ:«عَلَيْكَ
بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ» [أحمد]. وعند مسلمٍ عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «مَنْ
أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ:
«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا.
قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ:
أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. فَقَالَ: «مَا اجْتَمَعْنَ
فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
[/center]
[/center]