عصابات البلطجة
عصابات البلطجة أو عصابات الجريمة المنظمة أو جماعات المافيا أو عصابات الشباب وغيرها من الأسماء.
مجموعات إجرامية تمارس الكثير من الأنشطة، سواء القانونية أو غير القانونية في مختلف دول العالم، وتعتمد قدرة هذه العصابات على زرع دورها في المجتمع، سواء في مناطق جغرافية محددة أو في أنشطة معينة على قدرتها استخدام القوة وممارسة العنف.
ويعد تقديم خدمات الحماية، التي قد تعرض اختيارا أو تفرض جبرا على أفراد المجتمع، أو النخبة منهم، أحد الأسباب الأساسية لقيام مثل هذه الجماعات.
غير أن أعمال هذه الجماعات تتسع على نحو واضح لتشمل الدخول في عمليات إنتاج وتوزيع الكثير من السلع والخدمات؛ ولذلك غالبا ما تتناول البحوث التي تتعلق بأنشطة الجريمة المنظمة هذه العصابات على أنها شركات، ويتم تحليل أسواق السلع والخدمات التي تقدمها على هذا الأساس.
عندما ينتشر الفساد في المؤسسات الأمنية وتقل ثقة الأفراد في إمكان حصولهم على الحماية اللازمة من جانب الحكومة، فإن القادرين من السكان الذين لا يثقون في الحماية الأمنية التي تقدمها الدولة كخدمة عامة، يلجأون إلى توفير هذه الحماية بشكل خاص، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام تشكيل عصابات البلطجة في صورة مجموعات أمنية تقدم خدمات الحماية الخاصة، ويصبحون دولة داخل الدولة..
ويقصد بالحماية
• حماية الأشخاص أو ذويهم.
• حماية الممتلكات من السرقة أو الاعتداء عليها من قبل آخرين.
• إجبار الآخرين على تنفيذ الاتفاقيات أو العقود المبرمة معهم.
غير أن التعاون مع تلك العصابات غير مأمون الجانب، فمن الممكن أن يتحول اتجاه البنادق نحو من يفترض أنها تستخدم لحمايتهم؛ لذلك يعد الاستعانة بخدمات عصابات البلطجة أشبه بمن يتحالف مع الشيطان، فالبلطجية هم فئات انعدم ضميرهم والإحساس الديني لديهم، وهم مستعدون للقيام بأي مهمة مهما كانت طبيعتها والنتائج التي يمكن أن تترتب عليها، بهدف واحد وهو الحصول على المال؛ لذلك فهم مستعدون دائما للتعاون مع من يدفع أكثر، ومن ثم فإن تأمين ولاء هذه المجموعات يكون دائما مكلفا للغاية.
ولا تخلو أي بقعة في الأرض من عصابات الجريمة المنظمة، فقط تختلف درجة انتشار هذه العصابات حسب درجة قوة أو ضعف النظم القانونية والمؤسسات الرسمية، بصفة خاصة الشرطة، في دول العالم.
فقد اشتهرت الولايات المتحدة بانتشار عصابات المافيا التي اختلفت أصولها الجغرافية بين الصقليين من إيطاليا إلى اللاتينيين في أمريكا اللاتينية إلى الآسيويين من الصين، كما تحول انتباه العالم في الفترة الأخيرة إلى الدول الشيوعية سابقا مع انتشار عصابات الجريمة المنظمة في هذه الدول في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن أمثلة عصابات المافيا ما يعرف بالياكوزا في اليابان والترايادز في هونج كونج وتكتلات منتجي المخدرات في المكسيك وكولومبيا.
لعل عصابات المافيا الصقلية، هي أشهر عصابات الجريمة المنظمة على الإطلاق، وقد كان نشاطها الأساسي هو تقديم الحماية الشخصية للإقطاعيين والفلاحين ورجال الأعمال والسياسيين، والقائمة طويلة جدا في إيطاليا، وقد تمتعت عصابات المافيا بسطوة شديدة استطاعت من خلالها أن تخضع أعلى المناصب السياسية وإجبارها على التعاون معها، على سبيل المثال لقد كشفت فضائح الفساد في إيطاليا عن أن رئيس الوزراء السابق جوليو أندريوتي اشترك في أنشطة المافيا.
تنحدر عصابات المافيا الأمريكية من عصابات المافيا الصقلية، التي انتشرت بصورة كبيرة خلال العشرينيات من القرن الماضي، وقد كان الأعضاء فيها أساسا من المهاجرين الإيطاليين، وانخرطت المافيا في العديد من الأنشطة من البناء حتى صناعة الفراء، إلى فرض تنفيذ العقود وتقديم خدمات تصفية الخلافات بين المتعاملين.
ساعد المافيا على ذلك قدرتها على الولوج إلى النظم الشرطية وسيطرتها في كثير من الأحيان على أقسام الشرطة والمحليات في كثير من المدن، ويقال إن نجاح الرئيس السابق جون كينيدي في الانتخابات يرجع إلى رجل عصابات شيكاغو سام جيانجانا.
كما تشير ''رويترز'' إلى أنه حتى عام 1980 كان عمد المدن الأمريكية مثل بوسطن وفيلاديلفيا ونيويورك على صلة بالمافيا المحلية في تلك المدن.
وعلى الرغم من نجاح الحملات التي قامت بها الحكومة الأمريكية ضد عصابات المافيا الأصلية، أو هكذا يبدو، إلا أنه ليس من الواضح مدى الانخفاض في أنشطة الجريمة المنظمة التي تقوم بها تلك العصابات؛ إذ ربما حدث تحول في طبيعة العصابات التي تقوم بأنشطة المافيا إلى عصابات من كولومبيا والمكسيك والصين.
كذلك اشتهرت في اليابان عصابات الياكوزا التي كانت تمارس أنشطة الأعمال المختلفة بشكل رسمي حتى عام 1992، عندما تم تعديل القانون بالشكل الذي يجعل من الصعب عليها أن تمارس أنشطة اقتصادية بصورة علنية، واستخدم مطورو المباني المتخصصون في اليابان الياكوزا لإجلاء شاغري الأراضي اللازمة لإقامة الإنشاءات الجديدة، وهو ما جعل العصابة تتخصص في أنشطة التطوير العقاري والمضاربة العقارية.
كما كشف عام 1991 عن أن أكبر مؤسسات السمسرة في الأسهم Nomura and Nikko، كانت تتعاون مع الياكوزا لرفع أسعار بعض الأسهم، كما كشف عن وجود ارتباطات عديدة بين أحزاب وأثرياء وغيرهم بالعصابة.
تشتهر كولومبيا بأن فيها أكثر مجموعات الجريمة المنظمة عنفا وديناميكية في العالم، وتعد عمليات تصنيع وتوزيع الكوكايين النشاط الأساسي للمجموعات الكولومبية، التي تتخصص في تحويل أوراق الكوكا التي تتم زراعته في أقاليم الأمازون وبوليفيا وبيرو وكولومبيا إلى كوكايين ثم تهريبها إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وأشهر هذه العصابات ما يعرف بمجموعة كالي. لم تتورع هذه العصابات عن مهاجمة المؤسسات الحكومية وكذلك وسائل الإعلام، وتقديم الرشوة للبوليس والجيش والقضاة والقادة السياسيين.
كذلك ازدهرت مجموعات عصابية في المكسيك لتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، مستغلة في ذلك فساد رجال الشرطة، وتشير الدراسات المتاحة إلى أن الكثير من مكاتب الشرطة في المكسيك يمكن أن تعتبر من مجموعات الجريمة المنظمة التي تمارس أنشطة الأعمال الخاصة بها مثل سرقة السيارات وتلقي الرشوة، ومن الحوادث المشهورة أن أحد رجال الشرطة أوقف قائد سيارة ووجه إليه سلاحه طالبا منه تسليمه ما يحمل من مال وممتلكات، ولسوء حظ الشرطي أن الرجل كان ابن رئيس البلاد، حيث لحقه رجال الأمن الشخصي وقبضوا على الشرطي، ونظرا لفقدان الثقة برجال الأمن، قامت حكومة المكسيك أثناء حملتها على عصابات المافيا بتعيين قائد الجيش مسؤولا عن حرب الدولة ضد المخدرات، ومع ذلك فقد كشف لاحقا عن أن ذلك لم يمنع من تزايد عمليات الرشوة.
كما هو الحال في كثير من دول أمريكا اللاتينية فإن الشرطة في روسيا والكثير من الدول الشيوعية السابقة تقع ضمن هذه المجموعات، بل يقال إن معظم الاقتصاد والسياسة في هذه الدول تسيطر عليه هذه العصابات.
ولعل أهم ما يميز العصابات السوفياتية وجماعات المافيا فيها قدرتها الكبيرة على استخدام القوة ونشر العنف.
وإضافة إلى الاتجار في المخدرات فإن أحد النشاطات الرئيسة للعصابات في روسيا والدول الشرقية تهريب النساء من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى مختلف دول العالم.
بالطبع لا يمكن أن تنتشر هذه العصابات على هذا النحو إلا إذا كان هناك نوع من التعاون مع الشرطة ورجال السياسة والجيش ورجال الأعمال، والذين يعتقد أن لهم صلة على نحو ما بهذه العصابات.
وفي دراسة عن 107 دول موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، توصل Edgardo Buscaglia إلى أن أفضل وسيلة لمكافحة الجريمة المنظمة هي تقوية مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد فيها.
تنتشر أيضا في مدن العالم ما يطلق عليه عصابات الشباب Youth Gangs، الذين غالبا ما ينحدرون من المناطق منخفضة الدخل، وهي جماعات أقل تنظيما وأصغر في الحجم من عصابات المافيا، وتتخصص في الأنشطة الأقل تنظيما مثل توزيع المخدرات، ربما بسبب افتقاد التنظيم الرأسي الصارم الذي تتمتع به عصابات الجريمة المنظمة، أو غياب قدرتها على التأثير السياسي مثلما هو الحال بالنسبة لعصابات المافيا.
غالبا ما تنشأ عصابات الجريمة المنظمة في المناطق التي تهملها السلطات باعتبارها مناطق غير مهمة بالنسبة للدولة، مثل المناطق النائية أو المناطق العشوائية في المدن، حيث يصبح المناخ خصبا لنشوء هذه العصابات التي تلعب دورا شبيها بدور الحكومة، حيث تفرض سيطرتها ونظامها في تلك المناطق.
أو قد تنشأ هذه المجموعات مع حدوث تغير سياسي جوهري، مثل الحروب أو الثورات أو التغير الكبير في النظام السياسي، حيث يذهب النظام السياسي القديم ويأت نظام جديد، لكنه يأخذ فترة كي يتكون ويفرض السيطرة والاستقرار الأمني، مثل التحول الذي حدث في الدول الشيوعية، وما بين النظامين القديم والجديد تكون هناك فترة انتقالية يشعر الأفراد خلالها بفقدان الأمن، على سبيل المثال تكونت المافيا الإيطالية في أعقاب توحيد إيطاليا، والمافيا الروسية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
أو قد تتكون هذه العصابات من جماعات إثنية تتشابه في الأصل العرقي أو الأصل الجغرافي أو الإحساس بأنها معزولة في هذا المجتمع الذي تعيش فيه، وأنها لا تحصل على كامل احتياجاتها، أو أن النظام السياسي أو القانوني في الدولة قد أهملها.
غير أن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن نشاط البلطجة يأخذ في الازدهار مع ارتفاع معدلات البطالة، وأن الأوضاع الاقتصادية تلعب دورا مهما في ازدهار هذه الأنشطة أو اختفائها.
وقد حاول Alan Seals اختبار هذه الفرضية في دراسة عن الولايات المتحدة الخمسين، وقد توصل إلى أن انخراط الشباب صغار السن في العصابات يتركز في الفئات العمرية تحت 16 عاما (السن القانونية للعمل)، بعد هذه السن ترتفع تكلفة الفرصة البديلة للانخراط في عصابات الشباب، حيث يصبح العمل متاحا بشكل قانوني، ومن ثم ينخفض انخراط الشباب في العصابات بصورة واضحة، وقد خلص Seals إلى أن معدل البطالة يلعب دورا حيويا في التأثير في أنشطة عصابات الشباب، وقد توصل Martin Katzman وPoutvaara and Priks، إلى الخلاصة نفسها في دراسات أخرى.
غير أنه إذا كانت هذه الفرضية معقولة، فمن المفترض إلا تشهد دولة مثل اليابان مثل هذه الأنشطة، وهي دولة معروفة بانخفاض معدلات البطالة فيها على نحو واضح، على الأقل قبل الأزمة الآسيوية.
هناك أيضا فرضية تقضي بأن الانضمام إلى هذه العصابات يتم في بعض الأحيان تحت التهديد الذي تمارسه هذه العصابات ضد من تتوسم فيه أنه مشروع عنصر ناجح للانخراط في التنظيم.
بغض النظر عن الأسباب المسؤولة عن انتشار مثل هذه الجماعات، فإنه من المؤكد أن الآثار الاقتصادية لانتشارها متعددة.
الاثر الاول:
انخفاض كفاءة استغلال الموارد في المجتمع، حيث توجه بعض هذه الموارد نحو أنشطة البلطجة، وقد كان من الممكن توجيهها نحو أنشطة أكثر إنتاجية في حال اختفاء هذه الجماعات، ويشبه السوق الذي تعمل فيه هذه الجماعات سوق المنافسة الاحتكارية، حيث تعمل كل جماعة على الاستئثار بأكبر قدر ممكن من سوق الخدمة، وفي سبيل ذلك فإن كل مجموعة من هذه المجموعات تحاول أن يكون لديها جيش أقوى ومعدات أفضل واستعداد أكثر للقتال، الأمر الذي يتطلب موارد ضخمة.
الأثر الثاني :
ما يسمى الأثر التوزيعي، حيث تتم عملية إعادة توزيع للموارد في المجتمع نحو هذه الجماعات، التي من الواضح أنها عملية إعادة توزيع قسرية، الأمر الذي يضر بعدالة توزيع الدخل وتكوين الثروة في المجتمع. ذلك أن أنشطة البلطجة تجلب المال الوفير، الذي تستخدمه العصابات لتوفير الغطاء المالي لأسر من يتم القبض عليهم أو من يقتلون في المطاردات التي تتم مع السلطات الأمنية.
الأثر الثالث:
تراجع هيبة الدولة وفقدان الأفراد الثقة بها، الأمر الذي يشعر الأفراد بالخوف، وبما أن الأمن يعد أحد الحاجات الأساسية في أي مجتمع، التي ينبغي أن يتم استيفاؤها بأي شكل من الأشكال، سواء أكان ذلك من خلال مؤسسات عامة أو خاصة أو من خلال الأفراد أنفسهم، فإن انتشار هذه الجماعات يؤدي إلى تراجع مستويات الرفاهية نتيجة فقدان الإحساس بالأمن وتراجع نوعية الخدمات الأمنية التي يحصل عليها السكان في حال تخصيص عملية تقديمها لمثل هذه الجماعات مقارنة بالحال عندما تضطلع حكومة مركزية قوية بتقديمها.
الأثر الرابع:
أن مقاومة عصابات البلطجة مهمة ليست سهلة، فضلا عن تكلفتها الكبيرة، فهي أشبه ما تكون بحرب طويلة الأجل، حيث يستحيل القضاء على هذه الجماعات بين يوم وليلة.
فقد ظلت الولايات المتحدة تحارب جماعات المافيا لمدة 50 عاما قبل أن تقضي على نفوذ هذه الجماعات بصورة كبيرة، ومع ذلك فإن هناك أشكالا أخرى من العصابات ما زالت تعمل بصورة فاعلة في الولايات المتحدة إلى يومنا هذا.
وطالما أن العوامل المسؤولة عن انتشار هذه الجماعات موجودة، فستظل هذه الجماعات قائمة بصورة أو بأخرى في المجتمع، يعتمد ذلك على مدى شفافية هذا المجتمع ونزاهة قوى الأمن وطبيعة الساسة فيه، فقد تجد البلطجة رعاية رسمية من أعلى السلطات في الدولة باعتبارها أداة مهمة لتأديب الخارجين على النظام دون ما حاجة إلى ملاحقتهم بصورة رسمية، خصوصا إذا كانوا من معارضيه.
لقد كشفت الثورة في مصر على أن أنشطة البلطجة التي تمارس على نطاق واسع، وأن المنفذين يمكنهم تجييش الجيوش من هؤلاء البلطجية في أي وقت لتحقيق مآربهم، ولعل ما أطلق عليه بمعركة الجمل خير شاهد على ذلك، حيث تمكن بعض رجال الأعمال والسياسيين بمن فيهم الوزراء من حشد مجموعات كبيرة من هؤلاء البلطجية الذين امتطى بعضهم ظهور الأحصنة والجمال لطرد المتظاهرين من ميدان التحرير، وهو ما انتهى بنهاية مأساوية، لما فشلت الفكرة، تم حشد مجموعات أخرى من البلطجية ومدهم بقطع الرخام الصغيرة وإطلاقهم على المتظاهرين في ميدان التحرير، في محاولة يائسة لإخراجهم من الميدان، وهو ما انتهى بجرح عشرات الآلاف من المتظاهرين. يوم السبت 21/5/2011 صرح وزير العدل المصري بأنه يوجد هناك ما بين 300 إلى 500 ألف بلطجي في مصر، يتقاضى الواحد منهم أجرا يوميا في مقابل خدماته يصل إلى خمسة آلاف جنيه، وهو مقابل مجز جدا بالمقاييس المصرية، ولقد صعقت عندما قرأت عن هذا العدد، الذي لا أدري إن كان دقيقا أم لا، لكن إذا كان هذا الرقم صحيحا فإن ذلك يعني أن مصر تحتوى على أكبر عدد من البلطجية إلى كل ألف نسمة من السكان، فالولايات المتحدة بولاياتها الخمسين يقدر عدد أفراد العصابات التي تعمل فيها بنحو 750 ألف عنصر فقط.
الأثر الخامس:
هو في الاستثمار في قطاع الأعمال الخاص، ففي دراسة مثيرة على 34 دولة من الدول الناشئة وتلك التي تمر بمرحلة تحول في أوروبا وآسيا توصل Krkoska and Robreck إلى أن انتشار الجريمة يؤثر بصورة سلبية في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم في قرارات المستثمرين الأجانب بالاستثمار في الدولة من عدمه.
وقد توصلت الدراسة إلى أن تأثير الجريمة على قرارات الاستثمار أكبر في حالة الدول التي تمر بمرحلة التحول عن الدول المستقرة في أوروبا، حيث يضطر المستثمر إلى تحمل تكاليف إضافية في صورة تحويلات مالية منتظمة أو هدايا للمسؤولين في الجهاز الأمني في مقابل الحصول على الحماية الأمنية المناسبة لاستثماراته ضد أنشطة هذه العصابات، وهي نتائج في غاية الخطورة وتشير إلى ضخامة حجم التكلفة التي يتحملها الاقتصاد نتيجة انتشار مثل هذه العصابات.
تشير الدلائل المتاحة حتى الآن إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر قد توقف تماما حتى هذه اللحظة، ويعزى السبب الأساسي إلى غياب الأمن وانتشار أعمال البلطجة، الذي يرفع درجة مخاطر الدولة.
فالخوف من الجريمة له تأثير سلبي جدا في قرارات الاستثمار، والمستثمر الأجنبي يريد أن يتأكد أن أصوله التي سيقوم بإنشائها في الدولة التي سيستثمر فيها تلقى حماية مناسبة، وأن ما سيقوم بإنتاجه سيتم نقله وتوزيعه أو تصديره إلى الخارج بأمان تام، وأنه لن يضطر إلى دفع تكاليف إضافية في مقابل طلب حماية هذه العصابات بعد أن يكتشف أنه قد قام بالاستثمار في مناخ استثماري غير آمن.
باختصار شديد البلطجة نشاط مدمر للمجتمع من الناحية الاقتصادية قبل أن يكون مدمرا من الناحية الأمنية والاجتماعية والسياسية؛ ولذلك ينظر علماء الدين إلى البلطجة على أنها نوع من الحرابة ضد المجتمع وشكل من أشكال الإفساد في الأرض، وقد كان حكم الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز عادلا وبحجم الضرر الذي تسببه مثل هذه الجماعات، حيث تنص الآية الكريمة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) صدق الله العظيم.
منقول
**************************
عصابات البلطجة أو عصابات الجريمة المنظمة أو جماعات المافيا أو عصابات الشباب وغيرها من الأسماء.
مجموعات إجرامية تمارس الكثير من الأنشطة، سواء القانونية أو غير القانونية في مختلف دول العالم، وتعتمد قدرة هذه العصابات على زرع دورها في المجتمع، سواء في مناطق جغرافية محددة أو في أنشطة معينة على قدرتها استخدام القوة وممارسة العنف.
ويعد تقديم خدمات الحماية، التي قد تعرض اختيارا أو تفرض جبرا على أفراد المجتمع، أو النخبة منهم، أحد الأسباب الأساسية لقيام مثل هذه الجماعات.
غير أن أعمال هذه الجماعات تتسع على نحو واضح لتشمل الدخول في عمليات إنتاج وتوزيع الكثير من السلع والخدمات؛ ولذلك غالبا ما تتناول البحوث التي تتعلق بأنشطة الجريمة المنظمة هذه العصابات على أنها شركات، ويتم تحليل أسواق السلع والخدمات التي تقدمها على هذا الأساس.
عندما ينتشر الفساد في المؤسسات الأمنية وتقل ثقة الأفراد في إمكان حصولهم على الحماية اللازمة من جانب الحكومة، فإن القادرين من السكان الذين لا يثقون في الحماية الأمنية التي تقدمها الدولة كخدمة عامة، يلجأون إلى توفير هذه الحماية بشكل خاص، وهو ما يفتح المجال واسعا أمام تشكيل عصابات البلطجة في صورة مجموعات أمنية تقدم خدمات الحماية الخاصة، ويصبحون دولة داخل الدولة..
ويقصد بالحماية
• حماية الأشخاص أو ذويهم.
• حماية الممتلكات من السرقة أو الاعتداء عليها من قبل آخرين.
• إجبار الآخرين على تنفيذ الاتفاقيات أو العقود المبرمة معهم.
غير أن التعاون مع تلك العصابات غير مأمون الجانب، فمن الممكن أن يتحول اتجاه البنادق نحو من يفترض أنها تستخدم لحمايتهم؛ لذلك يعد الاستعانة بخدمات عصابات البلطجة أشبه بمن يتحالف مع الشيطان، فالبلطجية هم فئات انعدم ضميرهم والإحساس الديني لديهم، وهم مستعدون للقيام بأي مهمة مهما كانت طبيعتها والنتائج التي يمكن أن تترتب عليها، بهدف واحد وهو الحصول على المال؛ لذلك فهم مستعدون دائما للتعاون مع من يدفع أكثر، ومن ثم فإن تأمين ولاء هذه المجموعات يكون دائما مكلفا للغاية.
ولا تخلو أي بقعة في الأرض من عصابات الجريمة المنظمة، فقط تختلف درجة انتشار هذه العصابات حسب درجة قوة أو ضعف النظم القانونية والمؤسسات الرسمية، بصفة خاصة الشرطة، في دول العالم.
فقد اشتهرت الولايات المتحدة بانتشار عصابات المافيا التي اختلفت أصولها الجغرافية بين الصقليين من إيطاليا إلى اللاتينيين في أمريكا اللاتينية إلى الآسيويين من الصين، كما تحول انتباه العالم في الفترة الأخيرة إلى الدول الشيوعية سابقا مع انتشار عصابات الجريمة المنظمة في هذه الدول في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن أمثلة عصابات المافيا ما يعرف بالياكوزا في اليابان والترايادز في هونج كونج وتكتلات منتجي المخدرات في المكسيك وكولومبيا.
لعل عصابات المافيا الصقلية، هي أشهر عصابات الجريمة المنظمة على الإطلاق، وقد كان نشاطها الأساسي هو تقديم الحماية الشخصية للإقطاعيين والفلاحين ورجال الأعمال والسياسيين، والقائمة طويلة جدا في إيطاليا، وقد تمتعت عصابات المافيا بسطوة شديدة استطاعت من خلالها أن تخضع أعلى المناصب السياسية وإجبارها على التعاون معها، على سبيل المثال لقد كشفت فضائح الفساد في إيطاليا عن أن رئيس الوزراء السابق جوليو أندريوتي اشترك في أنشطة المافيا.
تنحدر عصابات المافيا الأمريكية من عصابات المافيا الصقلية، التي انتشرت بصورة كبيرة خلال العشرينيات من القرن الماضي، وقد كان الأعضاء فيها أساسا من المهاجرين الإيطاليين، وانخرطت المافيا في العديد من الأنشطة من البناء حتى صناعة الفراء، إلى فرض تنفيذ العقود وتقديم خدمات تصفية الخلافات بين المتعاملين.
ساعد المافيا على ذلك قدرتها على الولوج إلى النظم الشرطية وسيطرتها في كثير من الأحيان على أقسام الشرطة والمحليات في كثير من المدن، ويقال إن نجاح الرئيس السابق جون كينيدي في الانتخابات يرجع إلى رجل عصابات شيكاغو سام جيانجانا.
كما تشير ''رويترز'' إلى أنه حتى عام 1980 كان عمد المدن الأمريكية مثل بوسطن وفيلاديلفيا ونيويورك على صلة بالمافيا المحلية في تلك المدن.
وعلى الرغم من نجاح الحملات التي قامت بها الحكومة الأمريكية ضد عصابات المافيا الأصلية، أو هكذا يبدو، إلا أنه ليس من الواضح مدى الانخفاض في أنشطة الجريمة المنظمة التي تقوم بها تلك العصابات؛ إذ ربما حدث تحول في طبيعة العصابات التي تقوم بأنشطة المافيا إلى عصابات من كولومبيا والمكسيك والصين.
كذلك اشتهرت في اليابان عصابات الياكوزا التي كانت تمارس أنشطة الأعمال المختلفة بشكل رسمي حتى عام 1992، عندما تم تعديل القانون بالشكل الذي يجعل من الصعب عليها أن تمارس أنشطة اقتصادية بصورة علنية، واستخدم مطورو المباني المتخصصون في اليابان الياكوزا لإجلاء شاغري الأراضي اللازمة لإقامة الإنشاءات الجديدة، وهو ما جعل العصابة تتخصص في أنشطة التطوير العقاري والمضاربة العقارية.
كما كشف عام 1991 عن أن أكبر مؤسسات السمسرة في الأسهم Nomura and Nikko، كانت تتعاون مع الياكوزا لرفع أسعار بعض الأسهم، كما كشف عن وجود ارتباطات عديدة بين أحزاب وأثرياء وغيرهم بالعصابة.
تشتهر كولومبيا بأن فيها أكثر مجموعات الجريمة المنظمة عنفا وديناميكية في العالم، وتعد عمليات تصنيع وتوزيع الكوكايين النشاط الأساسي للمجموعات الكولومبية، التي تتخصص في تحويل أوراق الكوكا التي تتم زراعته في أقاليم الأمازون وبوليفيا وبيرو وكولومبيا إلى كوكايين ثم تهريبها إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وأشهر هذه العصابات ما يعرف بمجموعة كالي. لم تتورع هذه العصابات عن مهاجمة المؤسسات الحكومية وكذلك وسائل الإعلام، وتقديم الرشوة للبوليس والجيش والقضاة والقادة السياسيين.
كذلك ازدهرت مجموعات عصابية في المكسيك لتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، مستغلة في ذلك فساد رجال الشرطة، وتشير الدراسات المتاحة إلى أن الكثير من مكاتب الشرطة في المكسيك يمكن أن تعتبر من مجموعات الجريمة المنظمة التي تمارس أنشطة الأعمال الخاصة بها مثل سرقة السيارات وتلقي الرشوة، ومن الحوادث المشهورة أن أحد رجال الشرطة أوقف قائد سيارة ووجه إليه سلاحه طالبا منه تسليمه ما يحمل من مال وممتلكات، ولسوء حظ الشرطي أن الرجل كان ابن رئيس البلاد، حيث لحقه رجال الأمن الشخصي وقبضوا على الشرطي، ونظرا لفقدان الثقة برجال الأمن، قامت حكومة المكسيك أثناء حملتها على عصابات المافيا بتعيين قائد الجيش مسؤولا عن حرب الدولة ضد المخدرات، ومع ذلك فقد كشف لاحقا عن أن ذلك لم يمنع من تزايد عمليات الرشوة.
كما هو الحال في كثير من دول أمريكا اللاتينية فإن الشرطة في روسيا والكثير من الدول الشيوعية السابقة تقع ضمن هذه المجموعات، بل يقال إن معظم الاقتصاد والسياسة في هذه الدول تسيطر عليه هذه العصابات.
ولعل أهم ما يميز العصابات السوفياتية وجماعات المافيا فيها قدرتها الكبيرة على استخدام القوة ونشر العنف.
وإضافة إلى الاتجار في المخدرات فإن أحد النشاطات الرئيسة للعصابات في روسيا والدول الشرقية تهريب النساء من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى مختلف دول العالم.
بالطبع لا يمكن أن تنتشر هذه العصابات على هذا النحو إلا إذا كان هناك نوع من التعاون مع الشرطة ورجال السياسة والجيش ورجال الأعمال، والذين يعتقد أن لهم صلة على نحو ما بهذه العصابات.
وفي دراسة عن 107 دول موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، توصل Edgardo Buscaglia إلى أن أفضل وسيلة لمكافحة الجريمة المنظمة هي تقوية مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد فيها.
تنتشر أيضا في مدن العالم ما يطلق عليه عصابات الشباب Youth Gangs، الذين غالبا ما ينحدرون من المناطق منخفضة الدخل، وهي جماعات أقل تنظيما وأصغر في الحجم من عصابات المافيا، وتتخصص في الأنشطة الأقل تنظيما مثل توزيع المخدرات، ربما بسبب افتقاد التنظيم الرأسي الصارم الذي تتمتع به عصابات الجريمة المنظمة، أو غياب قدرتها على التأثير السياسي مثلما هو الحال بالنسبة لعصابات المافيا.
غالبا ما تنشأ عصابات الجريمة المنظمة في المناطق التي تهملها السلطات باعتبارها مناطق غير مهمة بالنسبة للدولة، مثل المناطق النائية أو المناطق العشوائية في المدن، حيث يصبح المناخ خصبا لنشوء هذه العصابات التي تلعب دورا شبيها بدور الحكومة، حيث تفرض سيطرتها ونظامها في تلك المناطق.
أو قد تنشأ هذه المجموعات مع حدوث تغير سياسي جوهري، مثل الحروب أو الثورات أو التغير الكبير في النظام السياسي، حيث يذهب النظام السياسي القديم ويأت نظام جديد، لكنه يأخذ فترة كي يتكون ويفرض السيطرة والاستقرار الأمني، مثل التحول الذي حدث في الدول الشيوعية، وما بين النظامين القديم والجديد تكون هناك فترة انتقالية يشعر الأفراد خلالها بفقدان الأمن، على سبيل المثال تكونت المافيا الإيطالية في أعقاب توحيد إيطاليا، والمافيا الروسية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
أو قد تتكون هذه العصابات من جماعات إثنية تتشابه في الأصل العرقي أو الأصل الجغرافي أو الإحساس بأنها معزولة في هذا المجتمع الذي تعيش فيه، وأنها لا تحصل على كامل احتياجاتها، أو أن النظام السياسي أو القانوني في الدولة قد أهملها.
غير أن هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن نشاط البلطجة يأخذ في الازدهار مع ارتفاع معدلات البطالة، وأن الأوضاع الاقتصادية تلعب دورا مهما في ازدهار هذه الأنشطة أو اختفائها.
وقد حاول Alan Seals اختبار هذه الفرضية في دراسة عن الولايات المتحدة الخمسين، وقد توصل إلى أن انخراط الشباب صغار السن في العصابات يتركز في الفئات العمرية تحت 16 عاما (السن القانونية للعمل)، بعد هذه السن ترتفع تكلفة الفرصة البديلة للانخراط في عصابات الشباب، حيث يصبح العمل متاحا بشكل قانوني، ومن ثم ينخفض انخراط الشباب في العصابات بصورة واضحة، وقد خلص Seals إلى أن معدل البطالة يلعب دورا حيويا في التأثير في أنشطة عصابات الشباب، وقد توصل Martin Katzman وPoutvaara and Priks، إلى الخلاصة نفسها في دراسات أخرى.
غير أنه إذا كانت هذه الفرضية معقولة، فمن المفترض إلا تشهد دولة مثل اليابان مثل هذه الأنشطة، وهي دولة معروفة بانخفاض معدلات البطالة فيها على نحو واضح، على الأقل قبل الأزمة الآسيوية.
هناك أيضا فرضية تقضي بأن الانضمام إلى هذه العصابات يتم في بعض الأحيان تحت التهديد الذي تمارسه هذه العصابات ضد من تتوسم فيه أنه مشروع عنصر ناجح للانخراط في التنظيم.
بغض النظر عن الأسباب المسؤولة عن انتشار مثل هذه الجماعات، فإنه من المؤكد أن الآثار الاقتصادية لانتشارها متعددة.
الاثر الاول:
انخفاض كفاءة استغلال الموارد في المجتمع، حيث توجه بعض هذه الموارد نحو أنشطة البلطجة، وقد كان من الممكن توجيهها نحو أنشطة أكثر إنتاجية في حال اختفاء هذه الجماعات، ويشبه السوق الذي تعمل فيه هذه الجماعات سوق المنافسة الاحتكارية، حيث تعمل كل جماعة على الاستئثار بأكبر قدر ممكن من سوق الخدمة، وفي سبيل ذلك فإن كل مجموعة من هذه المجموعات تحاول أن يكون لديها جيش أقوى ومعدات أفضل واستعداد أكثر للقتال، الأمر الذي يتطلب موارد ضخمة.
الأثر الثاني :
ما يسمى الأثر التوزيعي، حيث تتم عملية إعادة توزيع للموارد في المجتمع نحو هذه الجماعات، التي من الواضح أنها عملية إعادة توزيع قسرية، الأمر الذي يضر بعدالة توزيع الدخل وتكوين الثروة في المجتمع. ذلك أن أنشطة البلطجة تجلب المال الوفير، الذي تستخدمه العصابات لتوفير الغطاء المالي لأسر من يتم القبض عليهم أو من يقتلون في المطاردات التي تتم مع السلطات الأمنية.
الأثر الثالث:
تراجع هيبة الدولة وفقدان الأفراد الثقة بها، الأمر الذي يشعر الأفراد بالخوف، وبما أن الأمن يعد أحد الحاجات الأساسية في أي مجتمع، التي ينبغي أن يتم استيفاؤها بأي شكل من الأشكال، سواء أكان ذلك من خلال مؤسسات عامة أو خاصة أو من خلال الأفراد أنفسهم، فإن انتشار هذه الجماعات يؤدي إلى تراجع مستويات الرفاهية نتيجة فقدان الإحساس بالأمن وتراجع نوعية الخدمات الأمنية التي يحصل عليها السكان في حال تخصيص عملية تقديمها لمثل هذه الجماعات مقارنة بالحال عندما تضطلع حكومة مركزية قوية بتقديمها.
الأثر الرابع:
أن مقاومة عصابات البلطجة مهمة ليست سهلة، فضلا عن تكلفتها الكبيرة، فهي أشبه ما تكون بحرب طويلة الأجل، حيث يستحيل القضاء على هذه الجماعات بين يوم وليلة.
فقد ظلت الولايات المتحدة تحارب جماعات المافيا لمدة 50 عاما قبل أن تقضي على نفوذ هذه الجماعات بصورة كبيرة، ومع ذلك فإن هناك أشكالا أخرى من العصابات ما زالت تعمل بصورة فاعلة في الولايات المتحدة إلى يومنا هذا.
وطالما أن العوامل المسؤولة عن انتشار هذه الجماعات موجودة، فستظل هذه الجماعات قائمة بصورة أو بأخرى في المجتمع، يعتمد ذلك على مدى شفافية هذا المجتمع ونزاهة قوى الأمن وطبيعة الساسة فيه، فقد تجد البلطجة رعاية رسمية من أعلى السلطات في الدولة باعتبارها أداة مهمة لتأديب الخارجين على النظام دون ما حاجة إلى ملاحقتهم بصورة رسمية، خصوصا إذا كانوا من معارضيه.
لقد كشفت الثورة في مصر على أن أنشطة البلطجة التي تمارس على نطاق واسع، وأن المنفذين يمكنهم تجييش الجيوش من هؤلاء البلطجية في أي وقت لتحقيق مآربهم، ولعل ما أطلق عليه بمعركة الجمل خير شاهد على ذلك، حيث تمكن بعض رجال الأعمال والسياسيين بمن فيهم الوزراء من حشد مجموعات كبيرة من هؤلاء البلطجية الذين امتطى بعضهم ظهور الأحصنة والجمال لطرد المتظاهرين من ميدان التحرير، وهو ما انتهى بنهاية مأساوية، لما فشلت الفكرة، تم حشد مجموعات أخرى من البلطجية ومدهم بقطع الرخام الصغيرة وإطلاقهم على المتظاهرين في ميدان التحرير، في محاولة يائسة لإخراجهم من الميدان، وهو ما انتهى بجرح عشرات الآلاف من المتظاهرين. يوم السبت 21/5/2011 صرح وزير العدل المصري بأنه يوجد هناك ما بين 300 إلى 500 ألف بلطجي في مصر، يتقاضى الواحد منهم أجرا يوميا في مقابل خدماته يصل إلى خمسة آلاف جنيه، وهو مقابل مجز جدا بالمقاييس المصرية، ولقد صعقت عندما قرأت عن هذا العدد، الذي لا أدري إن كان دقيقا أم لا، لكن إذا كان هذا الرقم صحيحا فإن ذلك يعني أن مصر تحتوى على أكبر عدد من البلطجية إلى كل ألف نسمة من السكان، فالولايات المتحدة بولاياتها الخمسين يقدر عدد أفراد العصابات التي تعمل فيها بنحو 750 ألف عنصر فقط.
الأثر الخامس:
هو في الاستثمار في قطاع الأعمال الخاص، ففي دراسة مثيرة على 34 دولة من الدول الناشئة وتلك التي تمر بمرحلة تحول في أوروبا وآسيا توصل Krkoska and Robreck إلى أن انتشار الجريمة يؤثر بصورة سلبية في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم في قرارات المستثمرين الأجانب بالاستثمار في الدولة من عدمه.
وقد توصلت الدراسة إلى أن تأثير الجريمة على قرارات الاستثمار أكبر في حالة الدول التي تمر بمرحلة التحول عن الدول المستقرة في أوروبا، حيث يضطر المستثمر إلى تحمل تكاليف إضافية في صورة تحويلات مالية منتظمة أو هدايا للمسؤولين في الجهاز الأمني في مقابل الحصول على الحماية الأمنية المناسبة لاستثماراته ضد أنشطة هذه العصابات، وهي نتائج في غاية الخطورة وتشير إلى ضخامة حجم التكلفة التي يتحملها الاقتصاد نتيجة انتشار مثل هذه العصابات.
تشير الدلائل المتاحة حتى الآن إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر قد توقف تماما حتى هذه اللحظة، ويعزى السبب الأساسي إلى غياب الأمن وانتشار أعمال البلطجة، الذي يرفع درجة مخاطر الدولة.
فالخوف من الجريمة له تأثير سلبي جدا في قرارات الاستثمار، والمستثمر الأجنبي يريد أن يتأكد أن أصوله التي سيقوم بإنشائها في الدولة التي سيستثمر فيها تلقى حماية مناسبة، وأن ما سيقوم بإنتاجه سيتم نقله وتوزيعه أو تصديره إلى الخارج بأمان تام، وأنه لن يضطر إلى دفع تكاليف إضافية في مقابل طلب حماية هذه العصابات بعد أن يكتشف أنه قد قام بالاستثمار في مناخ استثماري غير آمن.
باختصار شديد البلطجة نشاط مدمر للمجتمع من الناحية الاقتصادية قبل أن يكون مدمرا من الناحية الأمنية والاجتماعية والسياسية؛ ولذلك ينظر علماء الدين إلى البلطجة على أنها نوع من الحرابة ضد المجتمع وشكل من أشكال الإفساد في الأرض، وقد كان حكم الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز عادلا وبحجم الضرر الذي تسببه مثل هذه الجماعات، حيث تنص الآية الكريمة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) صدق الله العظيم.
منقول
**************************