المستشار عبدالمعز إبراهيم يخرج عن صمته ويكشف حقيقة أزمة «التمويل الأجنبى»
نشر فى : الخميس 30 أغسطس 2012 - 10:20 ص
عبد المعز إبراهيم
محمد بصل
ظل المستشار عبدالمعز إبراهيم، شخصية مثيرة للجدل منذ اندلاع أزمة المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، أواخر فبراير الماضى، وسفرهم إلى بلدانهم، فجر الأول من مارس الماضى، وعادت القضية إلى السطح مرة أخرى هذه الأيام بعد خروج معلومات منسوبة لمصادر قضائية فى العديد من وسائل الإعلام تتحدث عن تحقيقات تجريها النيابة العامة فى القضية.
اكتسبت الأزمة منذ البداية أبعادا تتعلق باستقلال القضاء، خاصة بعد الاتهامات التى رددها المستشار محمد محمود شكرى، رئيس المحكمة المتنحى عن نظر القضية، حول «محاولة عبدالمعز التأثير عليه، وتوجيه المحكمة لإصدار حكم معين».
وازداد الموقف تعقيدا بعد سفر المستشار عبدالمعز لعدة أيام إلى المكسيك، فاستغل عدد من قضاة تيار الاستقلال الموقف ودعوا لجمعيتين عموميتين طارئتين لسحب الثقة منه، إلاّ أن القضاة وقفوا إلى جانب عبدالمعز، ورفضوا سحب صلاحياته، الأمر الذى انتقده بعض نواب مجلس الشعب ــ الذى كان قائما آنذاك ــ ليتطور الأمر إلى تراشق لفظى طويل الأمد بين القضاة ونواب الشعب، لم ينته حتى صدور حكم بحل المجلس.
حافظ عبدالمعز ــ رغم تداول القضية إعلاميا على نطاق واسع ــ بالتفاصيل فى جعبته ورفض مرارا الحديث عنها، حتى اختص «الشروق» بهذا الحوار الذى يكشف فيه عن هذه التفاصيل، بما فى ذلك السند القانونى لتسفير المتهمين، والسبب القانونى لإحالة القضية إلى دائرة أخرى، وأسرار مكالماته الهاتفية مع رئيس المحكمة المتنحى.
كما يكشف عبدالمعز لأول مرة عن حقيقة اتصال المجلس العسكرى الحاكم (آنذاك ) به قبل تسفير المتهمين، ليسأله عن الموقف القانونى لقرار منعهم من السفر، ويؤكد من جديد أنه لم يخضع لأى تحقيقات سواء قبل تقاعده فى 30 يونيو أو بعدها حول القضية.
كيف بدأت أزمة سفر المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى؟
ــ طبعا هذه القضية كان بها من اليوم الأول جانب سياسى كبير، ومرت بثلاث مراحل، الأولى كانت مرحلة القبض على المتهمين فى مقار المنظمات وتفتيش المقار، وهذه لم يكن لنا كقضاة دخل بها، وفيها حدث هجوم شديد من قبل أجهزة الإعلام على إجراءات القبض والتفتيش، لدرجة أن وزير العدل السابق المستشار عادل عبدالحميد طلب منى بصفتى رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة انتداب قاضيين للتحقيق فى القضية، وليس قاضيا واحدا كما هو معتاد.
انتدبت بالفعل القاضيين اللذين أصدرا أولا بيانا يحظر النشر فى القضية، وبعد انتهاء التحقيق أقاما مؤتمرا صحفيا فى مبنى وزارة العدل التابع للسلطة التنفيذية وليس محكمة استئناف القاهرة بالطبع، أعلنا فيه جميع تفاصيل القضية «وطلعوا مصارينها» أمام الرأى العام، ثم أرسلا ملف القضية للنيابة العامة، التى أرسلته بدورها إلىّ بصفتى رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة، لتحديد دائرة وجلسة لنظر القضية، على أساس أنها قضية موضوعية وليست مستعجلة.
ما الفارق بين الموضوعى والمستعجل؟
ــ الفارق أنه فى هذه الأثناء حضر محامو المتهمين إلى مكتبى وقدموا طلبا قالوا فيه إن قاضيى التحقيق أصدرا قرارا بمنع المتهمين من السفر، رغم أنه لا يوجد متهم محبوس واحد فى القضية، ودفعوا فى الطلب بأن هذا القرار غير قانونى، والأمر يتطلب جلسة عاجلة لنظر الشق المستعجل من القضية، وهو الخاص بقرار منع المتهمين من السفر فقط، أما الشق الموضوعى فيتعلق بالقضية بكامل جوانبها.
وكيف أسندت القضية إلى دائرة المستشار محمد شكرى؟
ــ القانون يلزم المحكمة بنظر قانونية قرارات منع السفر خلال 48 ساعة فقط، وأنا كرئيس لمحكمة استئناف القاهرة منوط بتوزيع العمل بين الدوائر، وعندما طالعت جدول العمل والمواعيد، تبين أن الدائرة الوحيدة التى ستعمل خلال هذه الفترة هى دائرة المستشار محمد محمود شكرى، رغم أنها غير مختصة نوعيا بنظر القضية، لكننى أرسلت الملف له نظرا لوجود شق مستعجل بها، والفصل فيه يجب أن يكون فى المواعيد القانونية.
وماذا حدث بعد ذلك؟
ــ انعقدت الجلسة الأولى فعلا فى 26 أبريل، وبدلا من أن يفصل المستشار شكرى فى الشق المستعجل قرر تأجيلها إلى 29 أبريل، وطبعا هذا الكلام خاطئ قانونيا، بسبب مخالفته شرط الـ48 ساعة المحدد فى القانون.
اتصلت به وقلت له: «القرار غلط.. مش مهم تفصل فى الشق الموضوعى.. بس افصل فى القرار المتعلق بالمنع من السفر».
فأصدر قرارا جديدا بتأجيل القضية إلى 29 فبراير.. «يعنى برضه المدة 72 ساعة ومخالفة للقانون» وجعل الشق الموضوعى كما هو فى 29 أبريل.
فاتصلت به مرة أخرى وقلت له: «انت عديت الثمانية واربعين ساعة ليه؟»
وما الذى أثار مسألة تنحيه عن نظر القضية؟
ــ فى هذه الأثناء كان محامو المتهمين يحضرون إلى مقر المحكمة بدار القضاء العالى، ويرددون على مسامع الناس أن نجل المستشار محمد شكرى يعمل فى مكتب كبير للمحاماة، له علاقة بجهات متدخلة فى القضية.
فاتصلت بالمستشار شكرى وقلت له: «المحامين بيقولوا كذا وكذا».. فرد علىّ قائلا: «أنا ممتنع عن نظر القضية».
فأجبت عليه بقولى: «مادام عندك ابن له علاقة ولو بعيدة بالموضوع، وفى تلكيكة المحامين هيحاولوا يستغلوها.. يبقى لازم نسدها قدامهم».
وانتهت المكالمة بدون مشاكل على أن يرسل لى شكرى ملف القضية سريعا لتحديد دائرة أخرى.
متى أرسل لك الملف؟
ــ كنت أنتظر أن يرسله لى على وجه السرعة، لكنه لم يفعل، فظللت جالسا فى مكتبى أنتظر الملف حتى أذان المغرب يوم 28 فبراير، وهو آخر يوم فى المهلة القانونية لنظر قرار منع المتهمين من السفر.
وأخيرا وصل الملف.. لكن المشكلة أن جميع الدوائر كانت قد رفعت جلساتها.. وكل القضاة «روحوا على بيوتهم».
وبموجب عملى وسلطتى يجب أن أشكل دائرة فورا لنظر القضية.. «وعندى المكتب الفنى كل القضاة فيه قاعدين معايا مش بيروحوا بدرى».. فشكلت دائرة برئاسة المستشار مجدى عبدالبارى لنظر الشق المستعجل فقط، وليس الموضوعى.
هل كنت تتوقع أن يصدر الحكم بالسماح للمتهمين بالسفر؟
ــ دعنا نتحدث بالقانون.. الحقيقة المجردة أنه لا يوجد نص قانونى فى أى تشريع مصرى ينص على منع المتهمين من السفر، حتى أن قانون الإجراءات الجنائية لم ينظم هذا الإجراء أصلا، وقضت محكمة النقض من قبل ببطلان قرارات المنع من السفر، وشارك فى إصدار الحكم المستشار أحمد مكى وزير العدل الحالى.
كما أن مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا اتفقا على بطلان إجراء المنع من السفر، طالما استطاع المتهم دفع الكفالة المقررة لإخلاء سبيله، باعتبار أن الدستور يكفل حق التنقل والسفر لكل المواطنين.
ودعنى أنقل لك نصا حرفيا من كتاب «الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية» للدكتور فتحى سرور، الطبعة السابعة، صفحة 615.. يقول
«جرى العمل على أن تأمر النيابة بمنع المتهم من السفر، وتمتثل وزارة الداخلية لهذا الأمر فتصدر قرارا تنفيذيا يحول دون سفره، وقد خلا قانون الإجراءات الجنائية من أى مادة تتيح هذا الإجراء، وهو ما لا يجوز لأن كل إجراء من هذا القبيل يجب أن يكون بناء على مادة من القانون، وبناء عليه لا يجوز منع المتهم من السفر إلاّ عند عجزه عن دفع الكفالة».. وكل فقهاء الإجراءات الجنائية متفقون على هذا.
واستنادا إلى حكم النقض وهذه المبادئ المستقرة فإن محكمة النقض كانت بالتأكيد ستلغى حكم الاستئناف إذا صدر باستمرار منع المتهمين من السفر.
إذن أنت تؤيد حكم هذه الدائرة؟
ــ الحكم صحيح تماما من الناحية القانونية، وإمعانا فى تقوية وضع الدولة المصرية، حددت الدائرة مبلغ مليونى جنيه كفالة لكل متهم، وهى كفالة ضخمة، تمكن البعض من دفعها فورا فسافروا بالفعل، بينما لم يستطع آخرون دفعها، فبقوا فى مصر، وشاهدهم الجميع كمتهمين فى القضية عندما نظرت فى مارس وأبريل أمام دائرة المستشار مكرم عواد.
هل تدخلت فى تحديد قيمة الكفالة؟
ــ لا، ولم أعرف الحكم إلاّ عند النطق به.
مادامت الأمور قد تسلسلت بهذه الطريقة، فما الذى تسبب فى الأزمة؟
ــ «محمد شكرى طبعا.. أنا كلمته أيامها وقلتله فهمنى.. انت أجلتها ليه؟ قال لى المتهمين ماجوش.. طيب ماهو مش لازم المتهمين ييجوا.. دى مش محكمة موضوع.. احنا بننظر فى قرار بس.. نقول صح أو غلط.. كنت قول صح ويستمر منعهم.. وفى هذه الحالة كانوا هيطعنوا قدام النقض وتلغى هى الحكم.. لكن قراره الأول وقف فى المنتصف ودخلنا فى دوامة».
هل اتصل بك أى من أعضاء المجلس العسكرى أثناء هذه الأزمة؟
ــ نعم، قبل صدور حكم السماح لهم بالسفر بعد دفع الكفالة، وسألونى فقط عن حكم القانون فى مسألة المنع من السفر، فأجبتهم قائلا: «إحنا مالناش دعوة وحدودنا الفصل فى مدى صحة القرار، ورأى المحكمة اللى هتنظر لازم يتنفذ».
والحقيقة أن أى اتصال دار بينى وبين المجلس العسكرى لم تكن له صلة بتنفيذ القانون، لأن عملى هو أن أنفذ القانون فقط بشكل سليم، وهذا جوهر استقلال القضاء، أن يكون القاضى حرا فى اتخاذ القرار الصحيح، وأنا اتخذت القرار الصحيح.
ولذلك فتصرفى أسعد البعض ومكنوا المتهمين من السفر.. والبعض الآخر استاءوا من القرار وانتقدوه.. وليس لى علاقة برأى أى فريق، والحكم لله وضميرى فقط.
هل حكيت هذه الوقائع بهذا الوضوح للقضاة؟
ــ طبعا، حكيته أثناء الجمعية العمومية التى عقدوها فى محاولة لسحب الثقة منى، ولذلك أيدنى القضاة، بعدما اقتنعوا بصحة تصرفى.
ولماذا لم تصرح به للرأى العام وقتها؟
ــ آثرت الصمت احتراما لمنصبى، وحتى لا أتسبب فى بلبلة أكبر.
هل فعلا تم التحقيق معك أو سؤالك عن التفاصيل أثناء أحد اجتماعات مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار حسام الغريانى؟
ــ كلام كاذب، وأؤكد لك أننى طوال 50 عاما عملت فيها بالقضاء من 1962 حتى 2012 لم أمثل أمام أى محقق، ولم ينسب لى أى اتهام، ولم يسألنى أى شخص عن الموضوع بشكل رسمى أثناء اجتماعات المجلس الأعلى، والشهود على ذلك موجودون، ويمكنكم الرجوع إليهم.. وعموما أتحدى أى شخص أن ينسب لى خطأ واحدا فى إدارة القضية.
نشر فى : الخميس 30 أغسطس 2012 - 10:20 ص
عبد المعز إبراهيم
محمد بصل
ظل المستشار عبدالمعز إبراهيم، شخصية مثيرة للجدل منذ اندلاع أزمة المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، أواخر فبراير الماضى، وسفرهم إلى بلدانهم، فجر الأول من مارس الماضى، وعادت القضية إلى السطح مرة أخرى هذه الأيام بعد خروج معلومات منسوبة لمصادر قضائية فى العديد من وسائل الإعلام تتحدث عن تحقيقات تجريها النيابة العامة فى القضية.
اكتسبت الأزمة منذ البداية أبعادا تتعلق باستقلال القضاء، خاصة بعد الاتهامات التى رددها المستشار محمد محمود شكرى، رئيس المحكمة المتنحى عن نظر القضية، حول «محاولة عبدالمعز التأثير عليه، وتوجيه المحكمة لإصدار حكم معين».
وازداد الموقف تعقيدا بعد سفر المستشار عبدالمعز لعدة أيام إلى المكسيك، فاستغل عدد من قضاة تيار الاستقلال الموقف ودعوا لجمعيتين عموميتين طارئتين لسحب الثقة منه، إلاّ أن القضاة وقفوا إلى جانب عبدالمعز، ورفضوا سحب صلاحياته، الأمر الذى انتقده بعض نواب مجلس الشعب ــ الذى كان قائما آنذاك ــ ليتطور الأمر إلى تراشق لفظى طويل الأمد بين القضاة ونواب الشعب، لم ينته حتى صدور حكم بحل المجلس.
حافظ عبدالمعز ــ رغم تداول القضية إعلاميا على نطاق واسع ــ بالتفاصيل فى جعبته ورفض مرارا الحديث عنها، حتى اختص «الشروق» بهذا الحوار الذى يكشف فيه عن هذه التفاصيل، بما فى ذلك السند القانونى لتسفير المتهمين، والسبب القانونى لإحالة القضية إلى دائرة أخرى، وأسرار مكالماته الهاتفية مع رئيس المحكمة المتنحى.
كما يكشف عبدالمعز لأول مرة عن حقيقة اتصال المجلس العسكرى الحاكم (آنذاك ) به قبل تسفير المتهمين، ليسأله عن الموقف القانونى لقرار منعهم من السفر، ويؤكد من جديد أنه لم يخضع لأى تحقيقات سواء قبل تقاعده فى 30 يونيو أو بعدها حول القضية.
كيف بدأت أزمة سفر المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى؟
ــ طبعا هذه القضية كان بها من اليوم الأول جانب سياسى كبير، ومرت بثلاث مراحل، الأولى كانت مرحلة القبض على المتهمين فى مقار المنظمات وتفتيش المقار، وهذه لم يكن لنا كقضاة دخل بها، وفيها حدث هجوم شديد من قبل أجهزة الإعلام على إجراءات القبض والتفتيش، لدرجة أن وزير العدل السابق المستشار عادل عبدالحميد طلب منى بصفتى رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة انتداب قاضيين للتحقيق فى القضية، وليس قاضيا واحدا كما هو معتاد.
انتدبت بالفعل القاضيين اللذين أصدرا أولا بيانا يحظر النشر فى القضية، وبعد انتهاء التحقيق أقاما مؤتمرا صحفيا فى مبنى وزارة العدل التابع للسلطة التنفيذية وليس محكمة استئناف القاهرة بالطبع، أعلنا فيه جميع تفاصيل القضية «وطلعوا مصارينها» أمام الرأى العام، ثم أرسلا ملف القضية للنيابة العامة، التى أرسلته بدورها إلىّ بصفتى رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة، لتحديد دائرة وجلسة لنظر القضية، على أساس أنها قضية موضوعية وليست مستعجلة.
ما الفارق بين الموضوعى والمستعجل؟
ــ الفارق أنه فى هذه الأثناء حضر محامو المتهمين إلى مكتبى وقدموا طلبا قالوا فيه إن قاضيى التحقيق أصدرا قرارا بمنع المتهمين من السفر، رغم أنه لا يوجد متهم محبوس واحد فى القضية، ودفعوا فى الطلب بأن هذا القرار غير قانونى، والأمر يتطلب جلسة عاجلة لنظر الشق المستعجل من القضية، وهو الخاص بقرار منع المتهمين من السفر فقط، أما الشق الموضوعى فيتعلق بالقضية بكامل جوانبها.
وكيف أسندت القضية إلى دائرة المستشار محمد شكرى؟
ــ القانون يلزم المحكمة بنظر قانونية قرارات منع السفر خلال 48 ساعة فقط، وأنا كرئيس لمحكمة استئناف القاهرة منوط بتوزيع العمل بين الدوائر، وعندما طالعت جدول العمل والمواعيد، تبين أن الدائرة الوحيدة التى ستعمل خلال هذه الفترة هى دائرة المستشار محمد محمود شكرى، رغم أنها غير مختصة نوعيا بنظر القضية، لكننى أرسلت الملف له نظرا لوجود شق مستعجل بها، والفصل فيه يجب أن يكون فى المواعيد القانونية.
وماذا حدث بعد ذلك؟
ــ انعقدت الجلسة الأولى فعلا فى 26 أبريل، وبدلا من أن يفصل المستشار شكرى فى الشق المستعجل قرر تأجيلها إلى 29 أبريل، وطبعا هذا الكلام خاطئ قانونيا، بسبب مخالفته شرط الـ48 ساعة المحدد فى القانون.
اتصلت به وقلت له: «القرار غلط.. مش مهم تفصل فى الشق الموضوعى.. بس افصل فى القرار المتعلق بالمنع من السفر».
فأصدر قرارا جديدا بتأجيل القضية إلى 29 فبراير.. «يعنى برضه المدة 72 ساعة ومخالفة للقانون» وجعل الشق الموضوعى كما هو فى 29 أبريل.
فاتصلت به مرة أخرى وقلت له: «انت عديت الثمانية واربعين ساعة ليه؟»
وما الذى أثار مسألة تنحيه عن نظر القضية؟
ــ فى هذه الأثناء كان محامو المتهمين يحضرون إلى مقر المحكمة بدار القضاء العالى، ويرددون على مسامع الناس أن نجل المستشار محمد شكرى يعمل فى مكتب كبير للمحاماة، له علاقة بجهات متدخلة فى القضية.
فاتصلت بالمستشار شكرى وقلت له: «المحامين بيقولوا كذا وكذا».. فرد علىّ قائلا: «أنا ممتنع عن نظر القضية».
فأجبت عليه بقولى: «مادام عندك ابن له علاقة ولو بعيدة بالموضوع، وفى تلكيكة المحامين هيحاولوا يستغلوها.. يبقى لازم نسدها قدامهم».
وانتهت المكالمة بدون مشاكل على أن يرسل لى شكرى ملف القضية سريعا لتحديد دائرة أخرى.
متى أرسل لك الملف؟
ــ كنت أنتظر أن يرسله لى على وجه السرعة، لكنه لم يفعل، فظللت جالسا فى مكتبى أنتظر الملف حتى أذان المغرب يوم 28 فبراير، وهو آخر يوم فى المهلة القانونية لنظر قرار منع المتهمين من السفر.
وأخيرا وصل الملف.. لكن المشكلة أن جميع الدوائر كانت قد رفعت جلساتها.. وكل القضاة «روحوا على بيوتهم».
وبموجب عملى وسلطتى يجب أن أشكل دائرة فورا لنظر القضية.. «وعندى المكتب الفنى كل القضاة فيه قاعدين معايا مش بيروحوا بدرى».. فشكلت دائرة برئاسة المستشار مجدى عبدالبارى لنظر الشق المستعجل فقط، وليس الموضوعى.
هل كنت تتوقع أن يصدر الحكم بالسماح للمتهمين بالسفر؟
ــ دعنا نتحدث بالقانون.. الحقيقة المجردة أنه لا يوجد نص قانونى فى أى تشريع مصرى ينص على منع المتهمين من السفر، حتى أن قانون الإجراءات الجنائية لم ينظم هذا الإجراء أصلا، وقضت محكمة النقض من قبل ببطلان قرارات المنع من السفر، وشارك فى إصدار الحكم المستشار أحمد مكى وزير العدل الحالى.
كما أن مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا اتفقا على بطلان إجراء المنع من السفر، طالما استطاع المتهم دفع الكفالة المقررة لإخلاء سبيله، باعتبار أن الدستور يكفل حق التنقل والسفر لكل المواطنين.
ودعنى أنقل لك نصا حرفيا من كتاب «الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية» للدكتور فتحى سرور، الطبعة السابعة، صفحة 615.. يقول
«جرى العمل على أن تأمر النيابة بمنع المتهم من السفر، وتمتثل وزارة الداخلية لهذا الأمر فتصدر قرارا تنفيذيا يحول دون سفره، وقد خلا قانون الإجراءات الجنائية من أى مادة تتيح هذا الإجراء، وهو ما لا يجوز لأن كل إجراء من هذا القبيل يجب أن يكون بناء على مادة من القانون، وبناء عليه لا يجوز منع المتهم من السفر إلاّ عند عجزه عن دفع الكفالة».. وكل فقهاء الإجراءات الجنائية متفقون على هذا.
واستنادا إلى حكم النقض وهذه المبادئ المستقرة فإن محكمة النقض كانت بالتأكيد ستلغى حكم الاستئناف إذا صدر باستمرار منع المتهمين من السفر.
إذن أنت تؤيد حكم هذه الدائرة؟
ــ الحكم صحيح تماما من الناحية القانونية، وإمعانا فى تقوية وضع الدولة المصرية، حددت الدائرة مبلغ مليونى جنيه كفالة لكل متهم، وهى كفالة ضخمة، تمكن البعض من دفعها فورا فسافروا بالفعل، بينما لم يستطع آخرون دفعها، فبقوا فى مصر، وشاهدهم الجميع كمتهمين فى القضية عندما نظرت فى مارس وأبريل أمام دائرة المستشار مكرم عواد.
هل تدخلت فى تحديد قيمة الكفالة؟
ــ لا، ولم أعرف الحكم إلاّ عند النطق به.
مادامت الأمور قد تسلسلت بهذه الطريقة، فما الذى تسبب فى الأزمة؟
ــ «محمد شكرى طبعا.. أنا كلمته أيامها وقلتله فهمنى.. انت أجلتها ليه؟ قال لى المتهمين ماجوش.. طيب ماهو مش لازم المتهمين ييجوا.. دى مش محكمة موضوع.. احنا بننظر فى قرار بس.. نقول صح أو غلط.. كنت قول صح ويستمر منعهم.. وفى هذه الحالة كانوا هيطعنوا قدام النقض وتلغى هى الحكم.. لكن قراره الأول وقف فى المنتصف ودخلنا فى دوامة».
هل اتصل بك أى من أعضاء المجلس العسكرى أثناء هذه الأزمة؟
ــ نعم، قبل صدور حكم السماح لهم بالسفر بعد دفع الكفالة، وسألونى فقط عن حكم القانون فى مسألة المنع من السفر، فأجبتهم قائلا: «إحنا مالناش دعوة وحدودنا الفصل فى مدى صحة القرار، ورأى المحكمة اللى هتنظر لازم يتنفذ».
والحقيقة أن أى اتصال دار بينى وبين المجلس العسكرى لم تكن له صلة بتنفيذ القانون، لأن عملى هو أن أنفذ القانون فقط بشكل سليم، وهذا جوهر استقلال القضاء، أن يكون القاضى حرا فى اتخاذ القرار الصحيح، وأنا اتخذت القرار الصحيح.
ولذلك فتصرفى أسعد البعض ومكنوا المتهمين من السفر.. والبعض الآخر استاءوا من القرار وانتقدوه.. وليس لى علاقة برأى أى فريق، والحكم لله وضميرى فقط.
هل حكيت هذه الوقائع بهذا الوضوح للقضاة؟
ــ طبعا، حكيته أثناء الجمعية العمومية التى عقدوها فى محاولة لسحب الثقة منى، ولذلك أيدنى القضاة، بعدما اقتنعوا بصحة تصرفى.
ولماذا لم تصرح به للرأى العام وقتها؟
ــ آثرت الصمت احتراما لمنصبى، وحتى لا أتسبب فى بلبلة أكبر.
هل فعلا تم التحقيق معك أو سؤالك عن التفاصيل أثناء أحد اجتماعات مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار حسام الغريانى؟
ــ كلام كاذب، وأؤكد لك أننى طوال 50 عاما عملت فيها بالقضاء من 1962 حتى 2012 لم أمثل أمام أى محقق، ولم ينسب لى أى اتهام، ولم يسألنى أى شخص عن الموضوع بشكل رسمى أثناء اجتماعات المجلس الأعلى، والشهود على ذلك موجودون، ويمكنكم الرجوع إليهم.. وعموما أتحدى أى شخص أن ينسب لى خطأ واحدا فى إدارة القضية.