تحقيقات وحوارات > بالأدب.. أو قلة الأدب.. الثورة مستمرة في التحرير
كتب عصام زكريا العدد 1805 - الجمعه - 20 مايو 2011
علي صفحتها علي الفيس بوك كتبت الناشطة الشابة نوارة نجم تحت عنوان "ماذا تفعل لو كنت حرامي؟":
"أنا موافقة ان مبارك يعتذر لنا ويرجع لنا الفلوس - اللي هما نص تريليون ياحرامي مش 145 مليون بروح أهلك- شريطة ان كل حرامي في السجن، بالذات النشالين وهجامين البيوت والحرامية الغلابة دول يدفعوا اللي عليهم ويخرجوا".
هذه مجرد عينة عشوائية من التعليقات التي أغرقت موقع التواصل الشهير الذي كان له الدور الأكبر في التحريض علي وتنظيم ثورة يناير. معظم التعليقات يصعب نشرها هنا لاحتوائها علي عبارات تنم عن حجم الغضب والإحباط الذي يشعر به الكثيرون من شباب الثورة هذه الأيام... لكن الحس الكوميدي المصري الذي ولد ثانية في التحرير لا يزال عاليا.. "ارفع ضغطك فوق...انت مصري".. هكذا علق أحدهم علي خبر الافراج عن زوجة الرئيس السابق... وهذا ما كتبه ناشط آخر: " ردا علي اعتذار مبارك المرتقب.. أنا قبلت اعتذارك ولكن بشروط.. احنا نقتل جمال... ونحرق علاء.. ونسحل سوزان".
الاسم الحركي الذي أعطاه الثوار لتظاهرة اليوم 20 مايو هو "جمعة بالأدب" في إشارة إلي أن الجمعة القادمة 27 مايو ستكون "جمعة قلة الأدب" إذا لم يتم الاستجابة للمطالب، هذه المطالب تتلخص في الإسراع بالمحاكمات وعدم التفاوض مع القتلة والإفراج عن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم منذ مارس الماضي وحتي أحداث السفارة الإسرائيلية الاسبوع الماضي.
يشعر شباب الثورة بالخطر وبأن الثورة علي وشك أن تسرق منهم.. وحسب نص بيان "ائتلاف ثورة اللوتس" الذي دعا لمليونية اليوم والجمعة القادمة: "... الأخطار التي تحيط بالثورة المصرية تهدد ليس فقط بإعادة سيطرة النظام القديم علي مجريات الأمور.. ان المحاولات متعددة لإشعال نيران الفتنة الطائفية، تعذيب رجال الشرطة العسكرية للثوار المصريين والكشف علي عذرية المشاركات في الاعتصامات، استمرار اطلاق البلطجية علي كل الشرفاء ذوي المطالب الوطنية والاجتماعية، اصدار أحكام ببراءة بعض رجال النظام القديم وخروج البعض منهم بكفالات كما لو كانوا من صغار المجرمين وليسوا من مرتكبي جرائم الخيانة العظمي ضد الشعب المصري بأكمله"، البيان يلقي باللوم علي المجلس العسكري ويتهمه بأنه يحمي النظام القديم وتمكينه من العودة للسيطرة علي البلاد! اتهام قد يبدو عجيبا في أعين البعض الذين آمنوا بأن "الجيش والشعب ايد واحدة" منذ أن نزلت قوات الجيش إلي الشوارع ليلة 28 يناير. ما حدث أمام السفارة الإسرائيلية الاسبوع الماضي من اعتقالات وضرب واهانات - يمكن أن تجد شهادات كاملة عليها علي صفحات الفيس بوك - فتح جرح التعامل الوحشي للشرطة مع المتظاهرين أيام الثورة، وما حدث في المتحف المصري علي يد بعض أفراد الشرطة العسكرية في فترة أخري، وفوق هذا جاءت أخبار احتمال الإفراج عن آل مبارك وعصابته مقابل التنازل عن بعض أموالهم لتصب الزيت فوق النار حتي أن صحيفة "تليجراف" البريطانية نشرت مقالا أول أمس حذرت فيه من خروج مئات الآلاف إلي الشوارع خاصة لو استمر مبارك في انكار دوره في اعطاء الشرطة الأوامر بقتل المتظاهرين... وجاءت تصريحات فريد الديب محامي مبارك والعادلي التي يبرئ فيها ساحة القتلة لتزيد من حدة الغضب علي الاثنين وعليه هو شخصيا.
الشارع هو السيد؟!
الأديب والصحفي ياسر عبد الحافظ كتب علي صفحته علي الفيس بوك: "بدون تعليق: مدير صندوق النقد الدولي في السجن بعد اتهام من عاملة تنظيف بمحاولة اغتصابها، والقاضية الأمريكية رفضت مليون دولار كفالة للإفراج عنه خوفا من هربه".
التلميح واضح إلي الإفراج عن سوزان مبارك وزكريا عزمي، وهو نموذج لردود الفعل العنيفة ضد جهاز الكسب غير المشروع.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع أول أمس.. ظهر رد فعل عصبي وعنيف يبين الفجوة الواسعة التي تفصل بين عواجيز النظام القديم وبين شباب الثورة، الجوهري ردد أكثر من مرة عبارات مثل " لن نصدر قرارات علشان الشارع"، "الشارع مش هو السيد في قرارات الجهاز".. لكن القانوني الكبير لم يفكر في توفير عصبيته ليشرح بهدوء أنه موظف محترف يؤدي المهمة الموكلة إليه بحكم القانون وطبيعة هذه المهمة.
في محاولة لفهم الأمر سألت المحامي والناشط السياسي المعروف ناصر أمين الذي فاجأني بأن الكثيرين ومنهم مثقفون وسياسيون كبار لا يعرفون طبيعة عمل جهاز الكسب غير المشروع، هذا الجهاز يتبع وزارة العدل والهدف منه هو اتخاذ خطوات سريعة لا تستطيع المحاكم العادية اتخاذها بهدف استعادة الأموال المنهوبة.. من صلاحيات هذا الجهاز حبس المتهم احتياطيا وتحويله إلي محكمة الجنايات لكن وفقا لمواد القانون، فإن من حق المتهم أن ينهي الموضوع إذا قام بإعادة الأموال التي حصل عليها بشكل غير مشروع وفي هذه الحالة تنقضي الدعوي الجنائية فورا ويتم اخلاء سبيله المتهم ولا يجوز إحالته إلي الجنايات إلا لو كان متهما في قضية أخري، ونجاح المحقق في قضايا الكسب غير المشروع يتمثل بالأساس في استعادة الأموال وليس عقاب المتهمين... أما إذا أصر المتهم علي عدم إعادة الأموال فلا يصبح أمام المحقق سوي تحويله للمحكمة... وحتي في هذه الحالة ووفقا للقانون فإن من حق المتهم أن يعيد الأموال خلال الجلسات في مقابل إخلاء سبيله... وحتي بعد اصدار الحكم عليه ينص القانون علي امكانية ايقاف التنفيذ إذا أعاد الأموال المتهم بسرقتها.
وعلي العكس من قضايا الكسب غير المشروع، فإن القضايا الجنائية لا يمكن التصالح فيها علي الإطلاق وليس من حق أي سلطة التدخل لإيقافها حتي لو كانت ضد رئيس الجمهورية... فقط بعد إصدار الحكم يمكن للرئيس أن يصدر عفوا، ويضيف ناصر أمين أن رد فعل الثوار علي قرارات جهاز الكسب غير المشروع مبالغ فيه ويدل علي عدم وعي بالقانون، وأن الأمر يحتاج إلي اعلام واع وجريء لا يخضع للعواطف والابتزاز، وهو يلخص المشكلة في جملة أخيرة هي أننا بعد الثورة كنا أمام طريقين: إما الحل الثوري بمصادرة كل أموال رجال العهد القديم ووضعهم في السجن بمحاكمات ثورية وشكرا، وإما تطبيق القانون الموجود وهو الطريق الذي فضله المجلس العسكري ومعظم القوي السياسية والثورية، ومن ثم فإن علينا تطبيق القانون واحترام الأحكام التي ستصدر مهما كانت... علي أن نراقب فقط تطبيق القانون بشكل سليم، المشكلة أن القانونيين لا يشعرون بما يشعر به الشارع، والشارع لا يفكر كما يفكر أهل القانون ولذلك لا بد من اجراء حوار راق وعلني بين الاثنين بدون مزايدات أو ابتزاز.
الهوة بين شباب الثورة وأصوات "الحكماء" لا تقتصر علي المحاكمات.. الهجوم علي السفارة الإسرائيلية والمطالبة بتنكيس العلم الصهيوني ورفع العلم المصري والفلسطيني فوق السفارة نموذج آخر، أعلم رأي الشباب وأفهمه جيدا ولكن في محاولة للفهم الموضوعي اتصلت بأستاذ الاجتماع المعروف سيد ياسين فقابلني بعاصفة من الغضب علي التصرفات "غير المسئولة" للشباب.. اقتحام السفارة وانزال العلم من شأنه أن يؤدي لأزمة دبلوماسية ليس هذا وقتها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة التي نعاني منها، باختصار شديد يرفض عالم الاجتماع أيضا أن تخضع القيادة السياسية لاندفاعات الشارع. ويحذر من أن المستفيد من هذه الأوضاع قد يكون التيارات الدينية المتطرفة وأذيال النظام القديم، خاصة أن رد فعل الناس العاديين قد ينقلب علي الثورة في حالة استمرار حالة الاحتقان في الشارع، ويسأل الدكتور سيد ياسين في النهاية: هل كان يتصور أحد أن يحدث ما حدث؟ أن نطيح بمبارك ونظامه ونعيد كتابة الدستور ونبدأ صفحة جديدة تماما من تاريخنا؟ لا أحد كان يتصور ذلك ولا حتي أكثر الثوار حماسا يوم 25 يناير... -أجبته -ولكن هذا لا يجب أن يكون مبررا للسماح بضياع الثورة أو بالوقوف أمام تحقيقها لكل المطالب التي يستحقها الناس.
ثورة الست فتحية
علي الانترنت قام الكثيرون بتبادل التصريحات العفوية التي أدلت بها سيدة بسيطة قالت إن اسمها فتحية ردا علي أحد المدافعين عن مبارك خلال مداخلة تليفزيونية في أحد البرامج علي قناة "الحياة".. الست فتحية قالت للرجل بإنفعال: اتق الله.. أنت لا تعرف معني المعاناة.. ألا يوجد في عائلتك من يعاني من السرطان أو الفشل الكلوي أو يشرب مياها ملوثة أو والدتك لا يكفيها معاشها؟ والله والله إذا لم يتم محاسبة مبارك سأقتله بنفسي".
المسألة لا تتعلق بشباب الثورة فقط، ولكن بملايين المصريين الذين قد يتحولون إلي العنف إذا لم تتحقق آمالهم من الثورة، المصري الذي صبر طويلا لم يعد يستطيع الصبر أكثر من ذلك، وهو يعتقد أن مجرد زوال النظام القديم يعني أن تتحقق كل مطالبه العامة والخاصة تلقائيا... ولكن الأمر ليس بهذه البساطة - كما يقول الدكتور شريف حتاتة المفكر اليساري الذي قضي حياته الطويلة في النشاط السياسي وتعرض للسجن والاضطهاد من النظام ومن قوي التخلف.
الدكتور شريف كتب مقالا في جريدة "الحياة" اللندنية أعاد نشره كاملا علي الإنترنت حلل فيه الثورة والأوضاع السياسية والاجتماعية الراهنة بعقل بارد متشائم إلي حد كبير.. سألته عن سبب هذا التشاؤم فقال: إن نظام الحكم القديم لا يزال قائما وإن جسده موجود ويعمل رغم الإطاحة بالرأس... السلطة الراهنة ليست سلطة الثوار ولكنها سلطة تنتمي إلي نظام مبارك بشكل كبير يضاف إلي ذلك أن التيارات الدينية والمحافظة أتيح لها فرصة أوسع للتحرك والسيطرة علي الشارع وهي تركب الموجة الآن وتشتغل لحسابها وأجندتها وليس لحساب الثورة وطموحاتها، وهذه القوي ضد أي تطور ديموقراطي حقيقي.. من ناحية ثانية، فإن ما حدث رائع من نواح كثيرة وأهم شيء فيه هو صحوة الوعي والثقة بالنفس والقدرة علي الإبداع لدي الكثيرين في المدينة وبعض الريف، ولكن حتي تستمر الثورة ولا تنتكس فلا بد من استمرار الزخم والحركة مع الوضع في الاعتبار ألا تصطدم بحياة الناس العاديين الباحثين عن لقمة العيش والاستقرار، وألا تنعزل التيارات الليبرالية واليسارية والديمقراطية بين رحي السلطة من ناحية والقوي الرجعية من ناحية أخري.. لابد أن يحدث تنسيق وتناغم بين القوي الثورية وأن تتجنب الشقاقات أو التركيز علي الاختلافات بدلا من التشابهات والمطالب المشتركة... كذلك لا بد تطوير التجمعات الثورية إلي كيانات ونقابات وأحزاب وأن تنتقل إلي المحافظات وتخرج من ميدان التحرير ومن فكرة المظاهرات، ويختم الدكتور شريف: لا يزال المشوار طويلا وأمامنا عمل كثير ولكن النقطة الحرجة هي ضرورة عدم الانسياق وراء محاولات التفتيت والانشقاق، لابد من الانتقال من التظاهر إلي السياسة ولابد من وضع السياسة الخارجية في الحسبان وعدم تجاهل أهميتها، لأن كل شيء يتعلق بمصير الثورة داخليا مرتبط بما يدور في العالم من حولنا.
أحب أن أنهي بهذه الجملة لأنني مقتنع بأهميتها القصوي.. مشكلتنا هي قصر مساحة الرؤية رأسيا وأفقيا.. رأسيا أي تاريخيا وأفقيا أي جغرافيا.. الوعي الذي استيقظ لا بد له من استيعاب العالم حولنا ومما جري فيه من قبلنا... حتي لا نعيد تكرار الماضي البغيض وحتي لا نقع في فخاخ المستقبل التي تح
كتب عصام زكريا العدد 1805 - الجمعه - 20 مايو 2011
علي صفحتها علي الفيس بوك كتبت الناشطة الشابة نوارة نجم تحت عنوان "ماذا تفعل لو كنت حرامي؟":
"أنا موافقة ان مبارك يعتذر لنا ويرجع لنا الفلوس - اللي هما نص تريليون ياحرامي مش 145 مليون بروح أهلك- شريطة ان كل حرامي في السجن، بالذات النشالين وهجامين البيوت والحرامية الغلابة دول يدفعوا اللي عليهم ويخرجوا".
هذه مجرد عينة عشوائية من التعليقات التي أغرقت موقع التواصل الشهير الذي كان له الدور الأكبر في التحريض علي وتنظيم ثورة يناير. معظم التعليقات يصعب نشرها هنا لاحتوائها علي عبارات تنم عن حجم الغضب والإحباط الذي يشعر به الكثيرون من شباب الثورة هذه الأيام... لكن الحس الكوميدي المصري الذي ولد ثانية في التحرير لا يزال عاليا.. "ارفع ضغطك فوق...انت مصري".. هكذا علق أحدهم علي خبر الافراج عن زوجة الرئيس السابق... وهذا ما كتبه ناشط آخر: " ردا علي اعتذار مبارك المرتقب.. أنا قبلت اعتذارك ولكن بشروط.. احنا نقتل جمال... ونحرق علاء.. ونسحل سوزان".
الاسم الحركي الذي أعطاه الثوار لتظاهرة اليوم 20 مايو هو "جمعة بالأدب" في إشارة إلي أن الجمعة القادمة 27 مايو ستكون "جمعة قلة الأدب" إذا لم يتم الاستجابة للمطالب، هذه المطالب تتلخص في الإسراع بالمحاكمات وعدم التفاوض مع القتلة والإفراج عن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم منذ مارس الماضي وحتي أحداث السفارة الإسرائيلية الاسبوع الماضي.
يشعر شباب الثورة بالخطر وبأن الثورة علي وشك أن تسرق منهم.. وحسب نص بيان "ائتلاف ثورة اللوتس" الذي دعا لمليونية اليوم والجمعة القادمة: "... الأخطار التي تحيط بالثورة المصرية تهدد ليس فقط بإعادة سيطرة النظام القديم علي مجريات الأمور.. ان المحاولات متعددة لإشعال نيران الفتنة الطائفية، تعذيب رجال الشرطة العسكرية للثوار المصريين والكشف علي عذرية المشاركات في الاعتصامات، استمرار اطلاق البلطجية علي كل الشرفاء ذوي المطالب الوطنية والاجتماعية، اصدار أحكام ببراءة بعض رجال النظام القديم وخروج البعض منهم بكفالات كما لو كانوا من صغار المجرمين وليسوا من مرتكبي جرائم الخيانة العظمي ضد الشعب المصري بأكمله"، البيان يلقي باللوم علي المجلس العسكري ويتهمه بأنه يحمي النظام القديم وتمكينه من العودة للسيطرة علي البلاد! اتهام قد يبدو عجيبا في أعين البعض الذين آمنوا بأن "الجيش والشعب ايد واحدة" منذ أن نزلت قوات الجيش إلي الشوارع ليلة 28 يناير. ما حدث أمام السفارة الإسرائيلية الاسبوع الماضي من اعتقالات وضرب واهانات - يمكن أن تجد شهادات كاملة عليها علي صفحات الفيس بوك - فتح جرح التعامل الوحشي للشرطة مع المتظاهرين أيام الثورة، وما حدث في المتحف المصري علي يد بعض أفراد الشرطة العسكرية في فترة أخري، وفوق هذا جاءت أخبار احتمال الإفراج عن آل مبارك وعصابته مقابل التنازل عن بعض أموالهم لتصب الزيت فوق النار حتي أن صحيفة "تليجراف" البريطانية نشرت مقالا أول أمس حذرت فيه من خروج مئات الآلاف إلي الشوارع خاصة لو استمر مبارك في انكار دوره في اعطاء الشرطة الأوامر بقتل المتظاهرين... وجاءت تصريحات فريد الديب محامي مبارك والعادلي التي يبرئ فيها ساحة القتلة لتزيد من حدة الغضب علي الاثنين وعليه هو شخصيا.
الشارع هو السيد؟!
الأديب والصحفي ياسر عبد الحافظ كتب علي صفحته علي الفيس بوك: "بدون تعليق: مدير صندوق النقد الدولي في السجن بعد اتهام من عاملة تنظيف بمحاولة اغتصابها، والقاضية الأمريكية رفضت مليون دولار كفالة للإفراج عنه خوفا من هربه".
التلميح واضح إلي الإفراج عن سوزان مبارك وزكريا عزمي، وهو نموذج لردود الفعل العنيفة ضد جهاز الكسب غير المشروع.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع أول أمس.. ظهر رد فعل عصبي وعنيف يبين الفجوة الواسعة التي تفصل بين عواجيز النظام القديم وبين شباب الثورة، الجوهري ردد أكثر من مرة عبارات مثل " لن نصدر قرارات علشان الشارع"، "الشارع مش هو السيد في قرارات الجهاز".. لكن القانوني الكبير لم يفكر في توفير عصبيته ليشرح بهدوء أنه موظف محترف يؤدي المهمة الموكلة إليه بحكم القانون وطبيعة هذه المهمة.
في محاولة لفهم الأمر سألت المحامي والناشط السياسي المعروف ناصر أمين الذي فاجأني بأن الكثيرين ومنهم مثقفون وسياسيون كبار لا يعرفون طبيعة عمل جهاز الكسب غير المشروع، هذا الجهاز يتبع وزارة العدل والهدف منه هو اتخاذ خطوات سريعة لا تستطيع المحاكم العادية اتخاذها بهدف استعادة الأموال المنهوبة.. من صلاحيات هذا الجهاز حبس المتهم احتياطيا وتحويله إلي محكمة الجنايات لكن وفقا لمواد القانون، فإن من حق المتهم أن ينهي الموضوع إذا قام بإعادة الأموال التي حصل عليها بشكل غير مشروع وفي هذه الحالة تنقضي الدعوي الجنائية فورا ويتم اخلاء سبيله المتهم ولا يجوز إحالته إلي الجنايات إلا لو كان متهما في قضية أخري، ونجاح المحقق في قضايا الكسب غير المشروع يتمثل بالأساس في استعادة الأموال وليس عقاب المتهمين... أما إذا أصر المتهم علي عدم إعادة الأموال فلا يصبح أمام المحقق سوي تحويله للمحكمة... وحتي في هذه الحالة ووفقا للقانون فإن من حق المتهم أن يعيد الأموال خلال الجلسات في مقابل إخلاء سبيله... وحتي بعد اصدار الحكم عليه ينص القانون علي امكانية ايقاف التنفيذ إذا أعاد الأموال المتهم بسرقتها.
وعلي العكس من قضايا الكسب غير المشروع، فإن القضايا الجنائية لا يمكن التصالح فيها علي الإطلاق وليس من حق أي سلطة التدخل لإيقافها حتي لو كانت ضد رئيس الجمهورية... فقط بعد إصدار الحكم يمكن للرئيس أن يصدر عفوا، ويضيف ناصر أمين أن رد فعل الثوار علي قرارات جهاز الكسب غير المشروع مبالغ فيه ويدل علي عدم وعي بالقانون، وأن الأمر يحتاج إلي اعلام واع وجريء لا يخضع للعواطف والابتزاز، وهو يلخص المشكلة في جملة أخيرة هي أننا بعد الثورة كنا أمام طريقين: إما الحل الثوري بمصادرة كل أموال رجال العهد القديم ووضعهم في السجن بمحاكمات ثورية وشكرا، وإما تطبيق القانون الموجود وهو الطريق الذي فضله المجلس العسكري ومعظم القوي السياسية والثورية، ومن ثم فإن علينا تطبيق القانون واحترام الأحكام التي ستصدر مهما كانت... علي أن نراقب فقط تطبيق القانون بشكل سليم، المشكلة أن القانونيين لا يشعرون بما يشعر به الشارع، والشارع لا يفكر كما يفكر أهل القانون ولذلك لا بد من اجراء حوار راق وعلني بين الاثنين بدون مزايدات أو ابتزاز.
الهوة بين شباب الثورة وأصوات "الحكماء" لا تقتصر علي المحاكمات.. الهجوم علي السفارة الإسرائيلية والمطالبة بتنكيس العلم الصهيوني ورفع العلم المصري والفلسطيني فوق السفارة نموذج آخر، أعلم رأي الشباب وأفهمه جيدا ولكن في محاولة للفهم الموضوعي اتصلت بأستاذ الاجتماع المعروف سيد ياسين فقابلني بعاصفة من الغضب علي التصرفات "غير المسئولة" للشباب.. اقتحام السفارة وانزال العلم من شأنه أن يؤدي لأزمة دبلوماسية ليس هذا وقتها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة التي نعاني منها، باختصار شديد يرفض عالم الاجتماع أيضا أن تخضع القيادة السياسية لاندفاعات الشارع. ويحذر من أن المستفيد من هذه الأوضاع قد يكون التيارات الدينية المتطرفة وأذيال النظام القديم، خاصة أن رد فعل الناس العاديين قد ينقلب علي الثورة في حالة استمرار حالة الاحتقان في الشارع، ويسأل الدكتور سيد ياسين في النهاية: هل كان يتصور أحد أن يحدث ما حدث؟ أن نطيح بمبارك ونظامه ونعيد كتابة الدستور ونبدأ صفحة جديدة تماما من تاريخنا؟ لا أحد كان يتصور ذلك ولا حتي أكثر الثوار حماسا يوم 25 يناير... -أجبته -ولكن هذا لا يجب أن يكون مبررا للسماح بضياع الثورة أو بالوقوف أمام تحقيقها لكل المطالب التي يستحقها الناس.
ثورة الست فتحية
علي الانترنت قام الكثيرون بتبادل التصريحات العفوية التي أدلت بها سيدة بسيطة قالت إن اسمها فتحية ردا علي أحد المدافعين عن مبارك خلال مداخلة تليفزيونية في أحد البرامج علي قناة "الحياة".. الست فتحية قالت للرجل بإنفعال: اتق الله.. أنت لا تعرف معني المعاناة.. ألا يوجد في عائلتك من يعاني من السرطان أو الفشل الكلوي أو يشرب مياها ملوثة أو والدتك لا يكفيها معاشها؟ والله والله إذا لم يتم محاسبة مبارك سأقتله بنفسي".
المسألة لا تتعلق بشباب الثورة فقط، ولكن بملايين المصريين الذين قد يتحولون إلي العنف إذا لم تتحقق آمالهم من الثورة، المصري الذي صبر طويلا لم يعد يستطيع الصبر أكثر من ذلك، وهو يعتقد أن مجرد زوال النظام القديم يعني أن تتحقق كل مطالبه العامة والخاصة تلقائيا... ولكن الأمر ليس بهذه البساطة - كما يقول الدكتور شريف حتاتة المفكر اليساري الذي قضي حياته الطويلة في النشاط السياسي وتعرض للسجن والاضطهاد من النظام ومن قوي التخلف.
الدكتور شريف كتب مقالا في جريدة "الحياة" اللندنية أعاد نشره كاملا علي الإنترنت حلل فيه الثورة والأوضاع السياسية والاجتماعية الراهنة بعقل بارد متشائم إلي حد كبير.. سألته عن سبب هذا التشاؤم فقال: إن نظام الحكم القديم لا يزال قائما وإن جسده موجود ويعمل رغم الإطاحة بالرأس... السلطة الراهنة ليست سلطة الثوار ولكنها سلطة تنتمي إلي نظام مبارك بشكل كبير يضاف إلي ذلك أن التيارات الدينية والمحافظة أتيح لها فرصة أوسع للتحرك والسيطرة علي الشارع وهي تركب الموجة الآن وتشتغل لحسابها وأجندتها وليس لحساب الثورة وطموحاتها، وهذه القوي ضد أي تطور ديموقراطي حقيقي.. من ناحية ثانية، فإن ما حدث رائع من نواح كثيرة وأهم شيء فيه هو صحوة الوعي والثقة بالنفس والقدرة علي الإبداع لدي الكثيرين في المدينة وبعض الريف، ولكن حتي تستمر الثورة ولا تنتكس فلا بد من استمرار الزخم والحركة مع الوضع في الاعتبار ألا تصطدم بحياة الناس العاديين الباحثين عن لقمة العيش والاستقرار، وألا تنعزل التيارات الليبرالية واليسارية والديمقراطية بين رحي السلطة من ناحية والقوي الرجعية من ناحية أخري.. لابد أن يحدث تنسيق وتناغم بين القوي الثورية وأن تتجنب الشقاقات أو التركيز علي الاختلافات بدلا من التشابهات والمطالب المشتركة... كذلك لا بد تطوير التجمعات الثورية إلي كيانات ونقابات وأحزاب وأن تنتقل إلي المحافظات وتخرج من ميدان التحرير ومن فكرة المظاهرات، ويختم الدكتور شريف: لا يزال المشوار طويلا وأمامنا عمل كثير ولكن النقطة الحرجة هي ضرورة عدم الانسياق وراء محاولات التفتيت والانشقاق، لابد من الانتقال من التظاهر إلي السياسة ولابد من وضع السياسة الخارجية في الحسبان وعدم تجاهل أهميتها، لأن كل شيء يتعلق بمصير الثورة داخليا مرتبط بما يدور في العالم من حولنا.
أحب أن أنهي بهذه الجملة لأنني مقتنع بأهميتها القصوي.. مشكلتنا هي قصر مساحة الرؤية رأسيا وأفقيا.. رأسيا أي تاريخيا وأفقيا أي جغرافيا.. الوعي الذي استيقظ لا بد له من استيعاب العالم حولنا ومما جري فيه من قبلنا... حتي لا نعيد تكرار الماضي البغيض وحتي لا نقع في فخاخ المستقبل التي تح