أستاذ فن الإيمان !!
وتمضى الأيام طاوية أشواق الذين يؤمنون أو يحسون أنهم على موعد مع الغيب عظيم .. ويصبر أبو بكر حتى يأتى الله بأمره .
ويقبل على شأنه وتجارته ، وإذ يحين أوان رحلة جديدة إلى الشام ، يشد رحاله مع صحب له من التجار ، وتيمم القافلة وجهها شطر البلاد البعيدة ساعية وراء الرزق والربح الحلال ، وفى الشام يجد أبوبكر " مناخا روحيا " شبيها بمناخ قومه ، أديان شتى ، وناس تائهون وقلة مؤمنة تقلب وجوهها فى السماء راجية منها اليقين ، ومرسلة لأطرافها فى آفاق الأرض وكأنما تريد من أى أقطارها سيهل النذير المنتظر !!
وأبو بكر فى الشام مثله فى مكة ، لايكاد يُنجز عمله مع أهل مهنته من التجار حتى يبادرويسارع إلى نفر من الأحبار والرهبان تعرف عليهم خلال رحلاته ، وأنس عزوفهم عما عليه الناس من باطل ووهم ، وانتظارهم لبشرى الله المقبلة ؛ فمن هؤلاء فى الشام ، كان يسمع نفس اللحن العذب المبشربمقدم الرسول ، والذى سمعه بمكة من ورقة بن نوفل وإخوانه .
ولكن من أين ياترى يجئ ...؟ إن الذين عندهم علم من الكتاب ، فى الشام وفى مكة ، ليكادون يجمعون على أنه سيهل على الدنيا من هناك .. من حيث رفع إبراهيم عليه السلام القواعد من البيت .
ولكن مكة تموج بعبدة الأصنام .. بالعاكفين على الميسر والأنصاب والأزلام ، وكل رجس من عمل الشيطان . أفلا يجد الله فى أرضه الواسعة هؤلاء ليختارمن بينهم رسوله .. ؟ ولكن أى بأس فى هذا ؟
وهل يدخل الأطباء إلا بيوت المرضى ..؟!!!!
والآن وقد أنجز عمله فى الشام فإنه يتهيأ للعودة إلى وطنه وبلاده .
وقبيل رحيله بأيام قليلة يرى رؤيا .. يرى القمر قد غادر مكانه
فى الأفق الأعلى ، ونزل على مكة حيث تجزأ إلى قطع وأجزاء تفرقت فى جميع منازل مكة ، وبيوتها ؛ ثم تضامت هذه الأجزاء مرة أخرى ، وعاد القمرإلى كيانه الأول ، واستقر فى حجر أبى بكر .
صحا من نومه وللرؤيا على وعيه سلطان مبين ، وسارع إلى أحد الرهبان المتقين الذين لهم الفهم ، وعقد معهم من صلات الروح ماكانت تقربه عينه وقص الرؤيا ؛ فتهلل وجه الراهب الصالح وقال لأبى بكر لقد أهلت أيامه ..!! ويتساءل أبو بكر: من تعنى ..؟ النبى الذى تنتظر ..؟ ويجيبه الراهب : نعم وستؤمن معه ، وستكون أسعد الناس به .. وكانت هذه ، بشرى بين يدى يقينه ، وتحية الغيب لروحه المتطلعة وإيمانه المتلهف .,وهو حين يختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة سبق الله إصطفاء الله له ، وهدايته إياه .
وأخيرا تطل مشارف الوطن ، وعبير الأهل .وهناك عند تلك المشارف كانت كوكبة من الناس تنتظر .. ولقد بصروا القافلة من فوق ذرى الجبل ، والتقى القادمون والمستقبلون فى عناق ومودة تعالت خلاله الأصوات بالجديد والغريب من الأنباء .
ولدى مدخل مكة قابلتهم جماعة صغيرة يتقدمها أبو جهل ـ عمرو بن هشام ـ
وتعانقوا جميعا ..
وبدأ أبو جهل الحديث : أوحدثوك عن صاحبك يا عتيق .. " وكان أبو بكر قبل الإسلام يُدعى عتيقا " .
أجابه أبو بكر : " تعنى محمدا الأمين ".. عليه الصلاة والسلام ..ّ
وقال أبو جهل : نعم ، أعنى يتيم بنى هاشم .. ".
ودار حوار سريع بين الإثنين : أٍسمعت أنت ما يقول يا عمر بن هشام ؟
قال : نعم سمعته ، وسمعه الناس جميعا .. وماذا قال ؟ :
يقول : أن فى السماء إلها ، أرسله إلينا لنعبده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ؟
أو قال أن الله أوحى إليه ..؟
أبو جهل : أجل ..
ألم يقل كيف كلمه ربه .؟
قال : إن جبريل أتاه فى غارحراء .. وتألق وجه أبو بكر كأن الشمس قد اختصته آنئذ بكل ضيائها وسنائها ، وقال فى هدوء مجلحل : إن كان قال فقد صدق ..!!
وتناقلت الناس كلمة أبى بكر من واحد ، إلى آخر حتى صار لهم دوى كدوى النحل .. وقصد أبو بكر داره ليرى أهله وينفض عنه وعثاء السفر ، وبعدها يقضى الله أمرا كان مفعولا ..
وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هناك مع الرسول وزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها فتى ممشوقا هو على بن أبى طالب رضى الله عنه . قرع أبو بكر الباب ، ونادى وتألق بشر الحياة جميعه على محيا الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقال مناديا السيدة خديجة رضى الله عنها : إنه " عتيق " يا خديجة ـ رضى الله عنها .
وسارع الرسول للقاء صاحبه وجرى الحديث بينهما فى مثل سرعة الضوء وصفائه .. قال أبو بكر : أصحيح ما أنبأنى به القوم يا أخا العرب ..؟
أجاب الرسول سائلا : وماذا أنبأوك ..؟
قالوا : أن الله أرسلك إلينا لنعبده ، ولانشرك به شيئا ..؟
وماذا كان جوابك لهم ياعتيق .. ؟
قلت لهم : إن كان قال فقد صدق .. وفاضت عينا الرسول من الدمع غبطة وشكرا . وعانق صاحبه وقبل جبينه ، ومضى يحدثه كيف جاءه الوحى فى غار حراء .عندئذ رفع أبو بكر راسه ، وشد بكلتا يديه على يمين رسول الله وقال : " أشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله " .
آمن أبو بكر إذن .. فمن أى طراز كان إيمانه ..؟
إن عظمة هذا الرجل ماثلة فى إيمانه .. ماثلة فى أنه مارس فوق أرض البشر وفى دنيا الناس نوعا من الإيمان جد عجيب .إن الأمر ليبدو كما لو كان الله سبحانه وتعالى حين اصطفى " محمدا " صلى الله عليه وسلم ليكون رسوله للناس إجتبى معه فى نفس اللحظة " أبا بكر " رضى الله عنه ، ليكمل دور الرسول ، وحين تتطلع حياتنا اإنسانية إلى أساتذة نتلقى عنهم ومن سيرتهم فن الإيمان ، فإنها واجدة على رأس تلك القلة النادرة الباهرة ، رجل الإسلام الأول الكبير ... " أبو بكر " رضى الله عنه .
منقول بتصرف من كتاب مختارات من إسلاميات لخالد محمد خالد رحمه الله .
وتمضى الأيام طاوية أشواق الذين يؤمنون أو يحسون أنهم على موعد مع الغيب عظيم .. ويصبر أبو بكر حتى يأتى الله بأمره .
ويقبل على شأنه وتجارته ، وإذ يحين أوان رحلة جديدة إلى الشام ، يشد رحاله مع صحب له من التجار ، وتيمم القافلة وجهها شطر البلاد البعيدة ساعية وراء الرزق والربح الحلال ، وفى الشام يجد أبوبكر " مناخا روحيا " شبيها بمناخ قومه ، أديان شتى ، وناس تائهون وقلة مؤمنة تقلب وجوهها فى السماء راجية منها اليقين ، ومرسلة لأطرافها فى آفاق الأرض وكأنما تريد من أى أقطارها سيهل النذير المنتظر !!
وأبو بكر فى الشام مثله فى مكة ، لايكاد يُنجز عمله مع أهل مهنته من التجار حتى يبادرويسارع إلى نفر من الأحبار والرهبان تعرف عليهم خلال رحلاته ، وأنس عزوفهم عما عليه الناس من باطل ووهم ، وانتظارهم لبشرى الله المقبلة ؛ فمن هؤلاء فى الشام ، كان يسمع نفس اللحن العذب المبشربمقدم الرسول ، والذى سمعه بمكة من ورقة بن نوفل وإخوانه .
ولكن من أين ياترى يجئ ...؟ إن الذين عندهم علم من الكتاب ، فى الشام وفى مكة ، ليكادون يجمعون على أنه سيهل على الدنيا من هناك .. من حيث رفع إبراهيم عليه السلام القواعد من البيت .
ولكن مكة تموج بعبدة الأصنام .. بالعاكفين على الميسر والأنصاب والأزلام ، وكل رجس من عمل الشيطان . أفلا يجد الله فى أرضه الواسعة هؤلاء ليختارمن بينهم رسوله .. ؟ ولكن أى بأس فى هذا ؟
وهل يدخل الأطباء إلا بيوت المرضى ..؟!!!!
والآن وقد أنجز عمله فى الشام فإنه يتهيأ للعودة إلى وطنه وبلاده .
وقبيل رحيله بأيام قليلة يرى رؤيا .. يرى القمر قد غادر مكانه
فى الأفق الأعلى ، ونزل على مكة حيث تجزأ إلى قطع وأجزاء تفرقت فى جميع منازل مكة ، وبيوتها ؛ ثم تضامت هذه الأجزاء مرة أخرى ، وعاد القمرإلى كيانه الأول ، واستقر فى حجر أبى بكر .
صحا من نومه وللرؤيا على وعيه سلطان مبين ، وسارع إلى أحد الرهبان المتقين الذين لهم الفهم ، وعقد معهم من صلات الروح ماكانت تقربه عينه وقص الرؤيا ؛ فتهلل وجه الراهب الصالح وقال لأبى بكر لقد أهلت أيامه ..!! ويتساءل أبو بكر: من تعنى ..؟ النبى الذى تنتظر ..؟ ويجيبه الراهب : نعم وستؤمن معه ، وستكون أسعد الناس به .. وكانت هذه ، بشرى بين يدى يقينه ، وتحية الغيب لروحه المتطلعة وإيمانه المتلهف .,وهو حين يختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة سبق الله إصطفاء الله له ، وهدايته إياه .
وأخيرا تطل مشارف الوطن ، وعبير الأهل .وهناك عند تلك المشارف كانت كوكبة من الناس تنتظر .. ولقد بصروا القافلة من فوق ذرى الجبل ، والتقى القادمون والمستقبلون فى عناق ومودة تعالت خلاله الأصوات بالجديد والغريب من الأنباء .
ولدى مدخل مكة قابلتهم جماعة صغيرة يتقدمها أبو جهل ـ عمرو بن هشام ـ
وتعانقوا جميعا ..
وبدأ أبو جهل الحديث : أوحدثوك عن صاحبك يا عتيق .. " وكان أبو بكر قبل الإسلام يُدعى عتيقا " .
أجابه أبو بكر : " تعنى محمدا الأمين ".. عليه الصلاة والسلام ..ّ
وقال أبو جهل : نعم ، أعنى يتيم بنى هاشم .. ".
ودار حوار سريع بين الإثنين : أٍسمعت أنت ما يقول يا عمر بن هشام ؟
قال : نعم سمعته ، وسمعه الناس جميعا .. وماذا قال ؟ :
يقول : أن فى السماء إلها ، أرسله إلينا لنعبده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ؟
أو قال أن الله أوحى إليه ..؟
أبو جهل : أجل ..
ألم يقل كيف كلمه ربه .؟
قال : إن جبريل أتاه فى غارحراء .. وتألق وجه أبو بكر كأن الشمس قد اختصته آنئذ بكل ضيائها وسنائها ، وقال فى هدوء مجلحل : إن كان قال فقد صدق ..!!
وتناقلت الناس كلمة أبى بكر من واحد ، إلى آخر حتى صار لهم دوى كدوى النحل .. وقصد أبو بكر داره ليرى أهله وينفض عنه وعثاء السفر ، وبعدها يقضى الله أمرا كان مفعولا ..
وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هناك مع الرسول وزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها فتى ممشوقا هو على بن أبى طالب رضى الله عنه . قرع أبو بكر الباب ، ونادى وتألق بشر الحياة جميعه على محيا الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقال مناديا السيدة خديجة رضى الله عنها : إنه " عتيق " يا خديجة ـ رضى الله عنها .
وسارع الرسول للقاء صاحبه وجرى الحديث بينهما فى مثل سرعة الضوء وصفائه .. قال أبو بكر : أصحيح ما أنبأنى به القوم يا أخا العرب ..؟
أجاب الرسول سائلا : وماذا أنبأوك ..؟
قالوا : أن الله أرسلك إلينا لنعبده ، ولانشرك به شيئا ..؟
وماذا كان جوابك لهم ياعتيق .. ؟
قلت لهم : إن كان قال فقد صدق .. وفاضت عينا الرسول من الدمع غبطة وشكرا . وعانق صاحبه وقبل جبينه ، ومضى يحدثه كيف جاءه الوحى فى غار حراء .عندئذ رفع أبو بكر راسه ، وشد بكلتا يديه على يمين رسول الله وقال : " أشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله " .
آمن أبو بكر إذن .. فمن أى طراز كان إيمانه ..؟
إن عظمة هذا الرجل ماثلة فى إيمانه .. ماثلة فى أنه مارس فوق أرض البشر وفى دنيا الناس نوعا من الإيمان جد عجيب .إن الأمر ليبدو كما لو كان الله سبحانه وتعالى حين اصطفى " محمدا " صلى الله عليه وسلم ليكون رسوله للناس إجتبى معه فى نفس اللحظة " أبا بكر " رضى الله عنه ، ليكمل دور الرسول ، وحين تتطلع حياتنا اإنسانية إلى أساتذة نتلقى عنهم ومن سيرتهم فن الإيمان ، فإنها واجدة على رأس تلك القلة النادرة الباهرة ، رجل الإسلام الأول الكبير ... " أبو بكر " رضى الله عنه .
منقول بتصرف من كتاب مختارات من إسلاميات لخالد محمد خالد رحمه الله .