شرح العقيدة الطحاوية لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
الجمع بين الخوف والرجاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: والأمن والإياس ينقلان عن الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- "والأمن والإياس ينقلان من الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة" المراد بالأمن الأمن من مكر الله،
والمراد
بالإياس اليأس من روح الله، ومن رحمة الله ينقلان عن الملة، يعني عن ملة
الإسلام، يعني إن الأمن من مكر الله واليأس الأمن من مكر الله واليأس من
روح الله كل منهما كفر ينقل عن الملة، وأما سبيل الحق وهو دين الإسلام
بينهما بين الأمن والإياس وهو الخوف والرجاء الأمن، يعني من مكر الله
والإياس يعني من روح الله ينقلان عن الملة، يعني يخرجان من ملة الإسلام،
فيكون الآمن من مكر الله واليائس من روح الله خارجان من ملة الإسلام وسبيل
الحق وهو دين الإسلام وتوحيد الله -عز وجل- بينهما بين الأمن من مكر الله
وبين اليأس من روح الله لأهل القبلة، فقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- أنه قال: « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من
مكر الله واليأس من روح الله »
البخاري : الشهادات (2654) , ومسلم : الإيمان (87) , والترمذي : تفسير القرآن (3019) , وأحمد (5/36).
وقد قال تعالى في الأمن من مكر الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ
نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى
وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية
رقم:96 - 99
﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:97
يعني
أهل القرى الكافرة، قال: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾سورة الأعراف (سورة رقم:
7)؛ آية رقم:99
والمراد خسران كفر، لأن هذا في
هذه الآيات في بيان القرى الكافرة، أفأمن أهل القرى الكافرة أن يأتيهم
بأسنا بياتا وهم نائمون ﴿ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ
بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا
يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:98 - 99
أي
خسران كفر، وقد جاء فيها التعبير بالخاسرون، وأل للاستغراق يعني استغراق
أنواع الخسر والخسران هو الكفر، فالآمن من مكر الله هو الذي لا يخاف الله،
ليس عنده شيء من الخوف، فيأمن مكر الله، ويسترسل في المعاصي، ولا يبالي
وأما اليائس من روح الله، فقد قال الله تعالى إخبارا عن يعقوب أنه قال
لبنيه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ
وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
سورة يوسف (سورة رقم: 12)؛ آية رقم:87
فبين أن اليائس من رحمة الله كافر، لأنه ليس عنده رجاء ولا عمل لرحمة الله، بل هو متشائم قانط متشائم مسيئ للظن بالله.
إنه
لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، والكفر هنا جاء بأل التي تفيد
الإستغراق، والمعنى أنه أن اليائس كافر كفر أكبر، فأخبر الله ذلك أخبر الله
عن يعقوب عليه الصلاة والسلام، وجاء شرعنا بإقراره، ولم يقل النبي -صلى
الله عليه وسلم- أن اليائس دون ذلك، وفي سورة الحجر قال الله تعالى: ﴿
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾
سورة الحجر (سورة رقم: 15)؛ آية رقم:56
أخبر
عن إبراهيم: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ
﴾7 والقانط هو اليائس، فهو ضال ضلال كفر؛ لأن أل أيضا للاستغراق، وما ذاك
إلا لأن اليائس من رحمة الله متشائم قانط، ليس عنده شيء من الرجاء ولا
الأمل في رحمة الله وعفوه، فليس عنده شيء من الرجاء والأمن من مكر الله،
ليس عنده شيء من الخوف لا يخاف الله، ولا يبالي الذي لا يخاف الله لا يعمل
عملا صالحا، لا يكون عنده شيء من الخوف، وكذلك اليائس قانط متشائم يرى أنه
هالك مسيء للظن بالله.
فاليائس اليائس من روح الله، يدعو الإنسان
إلى عدم العمل؛ لأنه لا يرجو رحمة الله، فهو يرى أنه هالك، فلا فائدة في
العمل، فلا يعمل وكذلك الآمن من مكر الله ليس عنده خوف، ليس عنده خوف يحسه
على العمل، فالأمن من مكر الله إذا لم يكن عند الإنسان خوف، فلا يعمل ولا
يبالي يفعل الجرائم والمنكرات ولا يبالي ولا يؤدي الواجبات، ولا ينتهي عن
المحرمات؛ لأنه ليس عنده خوف يحجزه، وكذلك اليائس المتشائم يرى أنه هالك،
وأنه لا يفيده أي عمل، فلا يعمل، فلا يؤدي الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات،
وإذا صدق اليائس من روح الله، إذا كان عنده إيمان وتصديق بالقلب.
وكذلك
الآمن من مكر الله، لا يفيده التصديق بالقلب الإيمان والتصديق بالقلب لا
يفيد وحده؛ لأنه لا بد لهذا التصديق من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان
إبليس وفرعون، إبليس مصدق قال رب أنظرني فرعون مصدق وجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم لكن لا يعمل إبليس لم يعمل ليس عنده عمل امتنع عن السجود وفرعون ليس
عنده عمل، فكونه يعرف ربه بقلبه تصديق مجرد هو المعرفة، كونه يعرف ربه
بقلبه ولا يعمل، لا يكون هذا إيمانا؛ لأن الإيمان والتصديق بالقلب، لا بد
له من إنقياد من إنقياد بالجوارح بالعمل حتى يتحقق هذا الإيمان، كما أن
الذي يعمل يصلي ويصوم ويحج، لا بد لهذا العمل من تصديق في الباطن يصحح هذه
الأعمال، وإلا صار كإسلام المنافقين المنافق يعمل، ولكن ليس عنده إيمان
يصحح عمله فبطل عمله وإبليس وفرعون كلا منهما مصدق بالباطن وعارف، لكن لم
يتحقق هذا التصديق بعمل ليس عندهم عمل.
ولذلك صار اليائس من روح
الله ما يعمل لأنه يرى أنه هالك، لا يؤدي الواجبات ولا يمتنع عن المحرمات،
والآمن من مكر الله ليس عنده شيء من الخوف، فلا يعمل؛ لأنه لا ليس عنده شيء
من الخوف إطلاقا، والذي ليس عنده شيء من الخوف لا يعمل لا يؤدي الواجبات،
ولا يمتنع عن المحرمات، ولو زعم أنه يحب الله، وأنه مصدق، ما يكفي هذا لا
بد من الخوف والرجاء، لا بد من الخوف حتى لا يكون الإنسان آمنا من مكر
الله، ولا بد من الرجاء حتى لا يكون الإنسان يائسا من روح الله، فإذا فقد
الخوف صار آمنا من مكر الله، وإذا فقد الرجاء صار يائسا من رحمة الله ولا
يتم التوحيد والإيمان إلا بالمحبة والخوف والرجاء؛ ولهذا أثنى الله -سبحانه
وتعالى- على عباده؛ لأنهم يعبدونه بالخوف والرجاء، قال سبحانه: ﴿
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾
سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:57
ويرجون
رحمته ويخافون، رجاء وخوف، وقال سبحانه ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا ﴾9 هذا الخوف والرجاء الطمع هو الرجاء ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
سورة السجدة (سورة رقم: 32)؛ آية رقم:16
وقال
سبحانه لما ذكر الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب
وإسماعيل واليسع وهود، قال بعد ذلك: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾
سورة الأنبياء (سورة رقم: 21)؛ آية رقم:90
هذا
الرجاء ورهبا هذا الخوف، فإذا فقد الخوف وفقد الرجاء لم يكن هناك إيمان لا
يكون هناك إيمان، ولا يكون هناك توحيد، التوحيد والإيمان لا بد فيه من
ثلاث أركان.
الركن الأول: المحبة في القلب، والمحبة ما تكون إلا عن تصديق.
والثاني: الخوف الذي يحجب الإنسان عن محارم الله وعن الشرك.
الركن
الثالث: الرجاء الذي يحمل الإنسان إلى الطمع يدعو الإنسان إلى الطمع في
ثواب الله وفي رحمة الله، فإذا لم يكن عنده خوف صار آمنا من مكر الله، لا
يبالي بالمعاصي ولا بالكفر، وإذا كان يائسا من روح الله صار متشائما قانطا
مسيئا للظن بالله، فلا يعمل لأنه يرى أن العمل لا يفيده، لأنه يرى أنه هالك
وكونه يعبد الله بالتصديق بالحب فقط، هذا لا يكفي، ولهذا قال العلماء: من
عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، هذه طريقة الصوفية من عبد الله بالحب وحده
فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، يعني خارجي من الخوارج
خارجي، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف
والرجاء فهو مؤمن موحد، إذا لا بد من المحبة والخوف والرجاء، ولهذا يقول
العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية
وعبادة الرحـمن غايـة حبـه
مـع ذل عابده همـا له قطبان
وعليهمـا فلـك العبـادة دائـر
ما دار قـام حتى دارت القطبان
فإذا
عبادة الرحمن هي العبادة غاية الحب مع غاية الذل، وغاية الحب مع غاية الذل
لا بد فيها من العبادة، يعني يتعبد الله بغاية الذل مع غاية الحب، فالذليل
هو الخاضع لله الخائف الذي يتعبد لله، وهو ذليل والآمن من مكر الله ما ليس
عنده ذل ما عنده ذل كما أن اليائس من رحمة الله أيضا ليس عنده طمع في ثواب
الله، فكيف يكون مؤمنا، ولهذا اختار الأمن من مكر الله ينقل عن ملة
الإسلام وكذلك اليأس من روح الله ينقل من ملة الإسلام، والحق بينهما بين
الخوف والرجاء سبيل الحق لأهل القبلة بين الرجاء والخوف، وأن تعبد الله
بالحب والخوف والرجاء تكون خائفا من الله حتى لا تسترسل في المعاصي، وتكون
راجيا رحمة الله وثوابه حتى لا تيأس من روح الله، فلا بد من التعبد لله
بالمحبة والخوف والرجاء وهذا هو معنى قول المؤلف: والأمن والإياس ينقلان من
ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة. نعم.
الجمع بين الخوف والرجاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: والأمن والإياس ينقلان عن الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- "والأمن والإياس ينقلان من الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة" المراد بالأمن الأمن من مكر الله،
والمراد
بالإياس اليأس من روح الله، ومن رحمة الله ينقلان عن الملة، يعني عن ملة
الإسلام، يعني إن الأمن من مكر الله واليأس الأمن من مكر الله واليأس من
روح الله كل منهما كفر ينقل عن الملة، وأما سبيل الحق وهو دين الإسلام
بينهما بين الأمن والإياس وهو الخوف والرجاء الأمن، يعني من مكر الله
والإياس يعني من روح الله ينقلان عن الملة، يعني يخرجان من ملة الإسلام،
فيكون الآمن من مكر الله واليائس من روح الله خارجان من ملة الإسلام وسبيل
الحق وهو دين الإسلام وتوحيد الله -عز وجل- بينهما بين الأمن من مكر الله
وبين اليأس من روح الله لأهل القبلة، فقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- أنه قال: « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من
مكر الله واليأس من روح الله »
البخاري : الشهادات (2654) , ومسلم : الإيمان (87) , والترمذي : تفسير القرآن (3019) , وأحمد (5/36).
وقد قال تعالى في الأمن من مكر الله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ
نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى
وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية
رقم:96 - 99
﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:97
يعني
أهل القرى الكافرة، قال: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾سورة الأعراف (سورة رقم:
7)؛ آية رقم:99
والمراد خسران كفر، لأن هذا في
هذه الآيات في بيان القرى الكافرة، أفأمن أهل القرى الكافرة أن يأتيهم
بأسنا بياتا وهم نائمون ﴿ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ
بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا
يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:98 - 99
أي
خسران كفر، وقد جاء فيها التعبير بالخاسرون، وأل للاستغراق يعني استغراق
أنواع الخسر والخسران هو الكفر، فالآمن من مكر الله هو الذي لا يخاف الله،
ليس عنده شيء من الخوف، فيأمن مكر الله، ويسترسل في المعاصي، ولا يبالي
وأما اليائس من روح الله، فقد قال الله تعالى إخبارا عن يعقوب أنه قال
لبنيه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ
وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
سورة يوسف (سورة رقم: 12)؛ آية رقم:87
فبين أن اليائس من رحمة الله كافر، لأنه ليس عنده رجاء ولا عمل لرحمة الله، بل هو متشائم قانط متشائم مسيئ للظن بالله.
إنه
لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، والكفر هنا جاء بأل التي تفيد
الإستغراق، والمعنى أنه أن اليائس كافر كفر أكبر، فأخبر الله ذلك أخبر الله
عن يعقوب عليه الصلاة والسلام، وجاء شرعنا بإقراره، ولم يقل النبي -صلى
الله عليه وسلم- أن اليائس دون ذلك، وفي سورة الحجر قال الله تعالى: ﴿
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾
سورة الحجر (سورة رقم: 15)؛ آية رقم:56
أخبر
عن إبراهيم: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ
﴾7 والقانط هو اليائس، فهو ضال ضلال كفر؛ لأن أل أيضا للاستغراق، وما ذاك
إلا لأن اليائس من رحمة الله متشائم قانط، ليس عنده شيء من الرجاء ولا
الأمل في رحمة الله وعفوه، فليس عنده شيء من الرجاء والأمن من مكر الله،
ليس عنده شيء من الخوف لا يخاف الله، ولا يبالي الذي لا يخاف الله لا يعمل
عملا صالحا، لا يكون عنده شيء من الخوف، وكذلك اليائس قانط متشائم يرى أنه
هالك مسيء للظن بالله.
فاليائس اليائس من روح الله، يدعو الإنسان
إلى عدم العمل؛ لأنه لا يرجو رحمة الله، فهو يرى أنه هالك، فلا فائدة في
العمل، فلا يعمل وكذلك الآمن من مكر الله ليس عنده خوف، ليس عنده خوف يحسه
على العمل، فالأمن من مكر الله إذا لم يكن عند الإنسان خوف، فلا يعمل ولا
يبالي يفعل الجرائم والمنكرات ولا يبالي ولا يؤدي الواجبات، ولا ينتهي عن
المحرمات؛ لأنه ليس عنده خوف يحجزه، وكذلك اليائس المتشائم يرى أنه هالك،
وأنه لا يفيده أي عمل، فلا يعمل، فلا يؤدي الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات،
وإذا صدق اليائس من روح الله، إذا كان عنده إيمان وتصديق بالقلب.
وكذلك
الآمن من مكر الله، لا يفيده التصديق بالقلب الإيمان والتصديق بالقلب لا
يفيد وحده؛ لأنه لا بد لهذا التصديق من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان
إبليس وفرعون، إبليس مصدق قال رب أنظرني فرعون مصدق وجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم لكن لا يعمل إبليس لم يعمل ليس عنده عمل امتنع عن السجود وفرعون ليس
عنده عمل، فكونه يعرف ربه بقلبه تصديق مجرد هو المعرفة، كونه يعرف ربه
بقلبه ولا يعمل، لا يكون هذا إيمانا؛ لأن الإيمان والتصديق بالقلب، لا بد
له من إنقياد من إنقياد بالجوارح بالعمل حتى يتحقق هذا الإيمان، كما أن
الذي يعمل يصلي ويصوم ويحج، لا بد لهذا العمل من تصديق في الباطن يصحح هذه
الأعمال، وإلا صار كإسلام المنافقين المنافق يعمل، ولكن ليس عنده إيمان
يصحح عمله فبطل عمله وإبليس وفرعون كلا منهما مصدق بالباطن وعارف، لكن لم
يتحقق هذا التصديق بعمل ليس عندهم عمل.
ولذلك صار اليائس من روح
الله ما يعمل لأنه يرى أنه هالك، لا يؤدي الواجبات ولا يمتنع عن المحرمات،
والآمن من مكر الله ليس عنده شيء من الخوف، فلا يعمل؛ لأنه لا ليس عنده شيء
من الخوف إطلاقا، والذي ليس عنده شيء من الخوف لا يعمل لا يؤدي الواجبات،
ولا يمتنع عن المحرمات، ولو زعم أنه يحب الله، وأنه مصدق، ما يكفي هذا لا
بد من الخوف والرجاء، لا بد من الخوف حتى لا يكون الإنسان آمنا من مكر
الله، ولا بد من الرجاء حتى لا يكون الإنسان يائسا من روح الله، فإذا فقد
الخوف صار آمنا من مكر الله، وإذا فقد الرجاء صار يائسا من رحمة الله ولا
يتم التوحيد والإيمان إلا بالمحبة والخوف والرجاء؛ ولهذا أثنى الله -سبحانه
وتعالى- على عباده؛ لأنهم يعبدونه بالخوف والرجاء، قال سبحانه: ﴿
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾
سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:57
ويرجون
رحمته ويخافون، رجاء وخوف، وقال سبحانه ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا ﴾9 هذا الخوف والرجاء الطمع هو الرجاء ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
سورة السجدة (سورة رقم: 32)؛ آية رقم:16
وقال
سبحانه لما ذكر الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب
وإسماعيل واليسع وهود، قال بعد ذلك: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾
سورة الأنبياء (سورة رقم: 21)؛ آية رقم:90
هذا
الرجاء ورهبا هذا الخوف، فإذا فقد الخوف وفقد الرجاء لم يكن هناك إيمان لا
يكون هناك إيمان، ولا يكون هناك توحيد، التوحيد والإيمان لا بد فيه من
ثلاث أركان.
الركن الأول: المحبة في القلب، والمحبة ما تكون إلا عن تصديق.
والثاني: الخوف الذي يحجب الإنسان عن محارم الله وعن الشرك.
الركن
الثالث: الرجاء الذي يحمل الإنسان إلى الطمع يدعو الإنسان إلى الطمع في
ثواب الله وفي رحمة الله، فإذا لم يكن عنده خوف صار آمنا من مكر الله، لا
يبالي بالمعاصي ولا بالكفر، وإذا كان يائسا من روح الله صار متشائما قانطا
مسيئا للظن بالله، فلا يعمل لأنه يرى أن العمل لا يفيده، لأنه يرى أنه هالك
وكونه يعبد الله بالتصديق بالحب فقط، هذا لا يكفي، ولهذا قال العلماء: من
عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، هذه طريقة الصوفية من عبد الله بالحب وحده
فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، يعني خارجي من الخوارج
خارجي، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف
والرجاء فهو مؤمن موحد، إذا لا بد من المحبة والخوف والرجاء، ولهذا يقول
العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية
وعبادة الرحـمن غايـة حبـه
مـع ذل عابده همـا له قطبان
وعليهمـا فلـك العبـادة دائـر
ما دار قـام حتى دارت القطبان
فإذا
عبادة الرحمن هي العبادة غاية الحب مع غاية الذل، وغاية الحب مع غاية الذل
لا بد فيها من العبادة، يعني يتعبد الله بغاية الذل مع غاية الحب، فالذليل
هو الخاضع لله الخائف الذي يتعبد لله، وهو ذليل والآمن من مكر الله ما ليس
عنده ذل ما عنده ذل كما أن اليائس من رحمة الله أيضا ليس عنده طمع في ثواب
الله، فكيف يكون مؤمنا، ولهذا اختار الأمن من مكر الله ينقل عن ملة
الإسلام وكذلك اليأس من روح الله ينقل من ملة الإسلام، والحق بينهما بين
الخوف والرجاء سبيل الحق لأهل القبلة بين الرجاء والخوف، وأن تعبد الله
بالحب والخوف والرجاء تكون خائفا من الله حتى لا تسترسل في المعاصي، وتكون
راجيا رحمة الله وثوابه حتى لا تيأس من روح الله، فلا بد من التعبد لله
بالمحبة والخوف والرجاء وهذا هو معنى قول المؤلف: والأمن والإياس ينقلان من
ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة. نعم.