تعـريف الرقيــة
معنى الرقية في اللغة والاصطلاح أولاً :
المعنى اللغوي للرقية :
* - قال أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي : ( رقيته أََرقيه رقيا " من باب رمى" أى عوذته بالله ، والاسم " الرقيا " على " فُعلى " والمرة " رقية " والجمع " رقى " ) انظر ( المصباح المنير - 1 / 236 ) *
- وقال الجوهري : ( تقول منه : استرقيته فرقاني رقية فهو راق ) انظر ( الصحاح " تاج اللغة وصحاح العربية " - 6 / 2361 ) * - قال ابن سيده : ( الرقية هي العوذة ، قال عروة : فما تركا من عوذة يعرفانها ولا رقيـة إلا بها رقياني ) انظر ( المحكم والمحيط الأعظم في اللغة - ابن سيده - 6 / 309 )
* - قال الأزهري : ( رقى الراقي رقية ورقيا : إذا عوذ ونفث ) انظر ( تهذيب اللغة - 9 / 293 ) * - قال ابن الأثير : ( الرقية : العوذة التي يرقي بها صاحب الآفة ، كالحمى والصرع ، وغير ذلك من الآفات ) انظر ( النهاية في غريب الحديث - 2 / 254 )
* - قال ابن منظور : ( والرقية : العوذة ، معروفة ، والجمع رقى 0 وتقول : استرقيته فرقاني رقية ، فهو راق ، وقد رقاه رقيا ورقيا 0 ورجل رَقاء : صاحب رقى0 يقال : رقى الراقي رقية ورقيا إذا عوذ ونفث في عُوذته ) انظر ( لسان العرب - 14 / 332 )
* - قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( " رقى " هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء من القرآن ، ومما صح من السنة 0 وأما ما اعتاده الناس من الكلام المسجوع الممزوج بكلمات لا يفهم لها معنى ، وقد تكون من الكفر والشرك ، فإنها ممنوعة 0 ومن السخافات ما يضاف إليها من الخبز بعد أن تدخل فيه السكين أو السيخ ، أو الماء بعد أن يوضع في أوان كتب عليها بعض الكلام ، أو وضع فيها الأوراق التي كتب عليها الكلام والطلسمات ، فإنها من عمل الشيطان ، وتخريف أدعياء العلم ، ويساعد عليها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0 ولو صح قول النبي صلى الله علية وسلم : " هي من قدر الله " فمعناه : أن قدر الله كائن لا يرد ) ( ضعيف سنن الترمذي - ص 231 - 232 ) ثانياً : المعنى الشرعي للرقية : لا يختلف معنى الرقية في الشرع عن المعنى اللغوي كثيراً إذ الرقية هي العوذة في اللغة أي الملتجأ 0 ( القاموس المحيط - مادة " عوذ " 428 ) فالمرقي يلتجئ إلى الرقية لكي يشفى مما أصابه وسواء تلك الرقية كانت مشروعة أو ممنوعة هذا في اللغة أما في الشرع فالمراد بالرقية المشروعة : هي ما كان من الآيات القرآنية أو الأدعية المشروعة 0
وقد عرفها بعض أهل العلم بما يلي :
* - قال شمس الحق العظيم أبادي : ( الرقية : هي العُوذة بضم العين أي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء ) ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود - 10 / 370 )
* - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء ) ( مجموع الفتاوى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 )
* - قال سعد صادق محمد : ( والرقى في الحقيقة دعاء وتوسل يُطلب فيها من الله شفاء المريض وذهاب العلة من بدنه ) ( صراع بين الحق والباطل - ص 147 ) يقول الله سبحانه وتعالى : { كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التّرَاقِي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } ( القيامة:27) وفي سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي خزَامَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ : ( أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ) وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ : ( عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ ) وعند مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُول : ( رَخَّصَ النَّبِيُّ لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ قَالَتْ لا وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ ) وفي سنن الترمذي عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ اللَّهِ وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ قَالَ فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا . صـفة الرقيـة أن يقرأ الراقي على محل الألم ، أو على يديه للمسح بهما ، أو في ماء ونحوه ، وينفث إثر القراءة نفثا خاليا من البزاق ، وإنما هو نفس معه بلل من الريق أ.هـ " فتح الباري كتاب المرضى " جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية (الجزء الأول) للشيخ عبدالله الجبرين س : ما هي صفة الرقية الشرعية ؟ وماذا ينبغي أن يكون عليه الراقي والمرقي من أمور؟ ج : المختار جواز العلاج بالرقية الشرعية التي هي القراءة على المريض؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقال في الرقية : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل وأقر رفقة أبي سعيد على الرقية للديغ بالفاتحة وقال : وما أدراك أنها رقية؟ وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رقى بعض أصحابه، ورقاه جبريل لما سحره اليهودي فشفاه الله تعالى والرقية الشرعية هي القراءة بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وسورة الإخلاص، وآية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وأول سورة آل عمران، وآيات الشفاء، وآيات التخفيف، وآيات السكينة، وآيات التوحيد ونحو ذلك، ولا شك أن الراقي يكون مؤثرا إذا كان مستقيما مطيعا لله تعالى عاملا بالصالحات، متنزها عن السيئات، مبتعدا عن الحرام والفواحش ونحوها، وكذا لا بد أن المرقي عليه أيضا يكون مؤمنا صحيح الإيمان حسن المعتقد عاملا بالكتاب والسنة لقوله تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا وقوله تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى فمتى اتصف الراقي والمرقي بالصفات الحميدة أثرت الرقية بإذن الله . تأثير الرقية في المرقي *- يقول ابن القيم في الزاد : تعتمد الرقية على أمرين ، أمر من عند المعالِج وأمر من جهة المصروع فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبادئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان . والثاني من جهة المعالِج بان يكون فيه هذان الأمران أيضا حتى أن بعض المعالجين من يكتفي بقوله " اخرج منه " أو يقول " بسم الله " أو يقول" لا حول ولا قوة إلا بالله " ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول " أخرج عدو الله أنا رسول الله " ويقول في مدارج السالكين : ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة وقبول من الطبيعة المنفعلة فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية ولم تقو نفس الراقي على التأثير لم يحصل البرء . فهنا أمور ثلاثة موافقة الدواء للداء وبذل الطبيب له وقبول طبيعة العليل فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى ، ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقى وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقى وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره وحسن تأمله والله أعلم . * - يقول الدكتور عمر الأشقر : أحب أن انبه هنا إلى أن الرقى ليست مقصورة على إنسان بعينه، فان المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ويمكن أن يرقي غيره ، وأن يرقيه غيره ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع وكلما كان أكثر صلاحاً كان أكثر نفعاً لأن الله يقول (إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ ) (المائدة 27 ) ولا صحة لما يدعيه بعض الذين يلجأ إليهم الناس من أن لهم خصوصية في نفع رقاهم لأخذهم العهد على الشيخ أو صاحب الطريقة ، فإن هذا لا أصل له وهو من الضلال، فالرقية دعاء والتجاء إلى الله والله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ( وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (غافر :60 ) أ. هـ. ومن الأمور التي تساعد على تأثير الرقية في المرقي هي قناعة وتقبل المريض للرقية والراقي، فإذا فقد لم يكن المريض يعتقد بمنفعة الرقية من بعد إذن الله تعالى وكان فاقد الثقة والارتياح والانشراح للمعالج الذي يعالجه فإن ذلك يفقد الرقية كل أثر . ومنها معرفة الراقي وخبرته في مجال الرقية شهوراً وسنيناً، وتشخيص الحالة، ومعرفته للآيات المناسبة للمرض ، وخبرته في استدراج ومجاهدة ومقارعة الشياطين وسحرة الجن . ومنها إقبال الراقي على الرقية ، فالنفس لها إقبال وإدبار ، ولذلك تلاحظ اختلافاً بَينًّا في قوة الرقية لنفس الراقي،فربما كان الراقي مُجهَداً نفسياً وبدنياً منشغل البال فتكون رقيته قليلة الأثر والنفع ، أما إذا كان صافي الذهن نشيط البدن مقبِِلاً على الرقية عندها يحصل النفع بإذن الله تعالى . يقول ابن قتيبة الدينوري في شرحه لقول الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) أي استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تَعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله ؛ فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه إلى شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر ا.هـ ( انظر كتاب الفوائد لشمس الدين ابن قيم الجوزية ص 16) شـروط الرقيـة يقول ابن حجر العسقلاني : يستخلص من كلام أهل العلم أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها ثلاثة شروط : 1- أن لا يكون فيها شرك ولا معصية . 2- أن تكون بالعربية أو ما يفقه معناه . 3- أن لا يعتقد كونها مؤثرة بذاتها بل بإذن الله تعالى .
* - قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : - ( وأما معالجة المصروع بالرقى، والتعويذات فهذا على وجهين أ - فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناه ومما يجوز في دين الإسلام أن يتكلم بها الرجل داعياً الله ذاكراً له ومخاطباً لخلقه ونحو ذلك - فإنه يجوز أن يرقى بها المصروع ويعوذ ، فإنه قد ثبت في الصَحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أذن في الرقى ، ما لم تكن شركاً ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم ( 2200 ) ب – وإن كان في ذلك كلمات محرمة مثل : أن يكون فيها شرك أو كانت مجهولة المعنى يحتمل أن يكون فيها كفر – فليس لأحد أن يرقى بها ولا يعزم ولا يقسم ، وإن كان الجن قد ينصرف عن المصروع بها فإن ما حرمه الله ورسوله ضرره أكثر من نفعه ) ( مجموع الفتاوى - 23 / 277 ) وقال في موضع آخر : ( وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفقه بالعربية فيها ما هو شرك بالجن ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها ، لأنها مظنة الشرك وإن لم يعرف الراقي أنها شرك وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله : كيف ترى في ذلك فقال : ( اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم ( 2200 ) وقال أيضا ( وليس للعبد أن يدفع كل ضرر بما شاء ولا يجلب كل نفع بما يشاء بل لا يجلب النفع إلا بما فيه تقوى الله ولا يدفع الضرر إلا بما فيه تقوى الله ، فإن كان ما يفعله في العزائم والأقسام ، ونحو ذلك مما أباحه الله ورسوله – فلا بأس به ، وإن كان مما نهى الله عنه ورسوله لم يفعله ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 280 )
وقال : ( ولا يشرع الرقى بما لا يعرف معناه لا سيما إن كان فيه شرك ، فإن ذلك محرم ، وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك ، وقد يقرأون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك ، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله ) ( إيضاح الدلالة في عموم الرسالة - 45 )
وسئل عمن يقول : يا أزران : يا كياان ! هل صح أن هذه أسماء وردت بها السنة ، ولم يحرم قولها ؟ فأجاب - رحمه الله - : ( الحمد لله لم ينقل هذه عن الصحابة أحد ، لا بإسناد صحيح ، ولا بإسناد ضعيف ، ولا سلف الأمة ، ولا أئمتها وهذه الألفاظ لا معنى لها في كلام العرب ؛ فكل اسم مجهول ليس لأحد أن يرقي به ، فضلا عن أن يدعو به ولو عرف معناها وإنه صحيح ، لكره أن يدعو الله بغير الأسماء العربية ) ( مجموع الفتاوى – 24 / 283 )
* - قال النووي : ( الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة لا نهي فيه ، بل هو سنة وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى ) ( صحيح مسلم بشرح النووي - 13،14،15 / 341) وقال النووي : ( قال الخطابي : وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالرقية ، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة ، وإنما جاءت الكراهية منها لما كان بغير لسان العرب ، فإنه ربما كان كفراً أو قولاً يدخله الشرك ويحتمل أن يكون الذي كره من الرقية ، ما كان منها على مذاهب الجاهلية في العوذ التي كانوا يتعاطونها ويزعمون أنها تدفع عنهم الآفات ، ويعتقدون أنها من قبل الجن ومعونتهم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي 13،14،15 )
* - قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( قال ابن التين : الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى ، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له ، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم ، ويقال : أن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم ، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها ، وكذا اللديغ إذا رقى بتلك الأسماء سالت سمومها من بدن الإنسان ، فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من الشرك ، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب علماء الأمة ) ( فتح الباري - 10 / 196 ) * - قال الشوكاني : ( جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور ، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور ) ( نيل الأوطار - 3 / 291 )
* - قال الدكتور إبراهيم بن محمد البريكان - حفظه الله : - ( ويشترط للرقى المباحة عدة شروط هي : أولاً : أن تكون بكلام الله ، أو بأسمائه ، أو صفاته ، أو بالأدعية النبوية المأثورة عنه في ذلك ثانياً : أن تكون باللسان العربي ثالثاً : أن تكون مفهومة المعنى رابعاً : ألا تشتمل على شيء غير مباح ، كالاستغاثة بغير الله أو دعاء غيره ، أو اسم للجن ، أو ملوكهم ونحو ذلك خامساً : ألا يعتمد عليها سادساً : أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها ، بل بإذن الله القدري فإن اختل شرط من تلك الشروط فهي رقية محرمة ،فإن اعتقد أنها الفاعلة أو سبب مؤثر كان ذلك كفرا أكبر ، وإن اعتقد مقارنتها للشفاء كان ذلك شركاً أصغر وعليه ، فالرقى على قسمين : رقى شرعية : وهي ما توفرت فيها الشروط المتقدمة ، ورقى بدعية : وهي ما اختل فيها شرط من شروط الرقية الشرعية ، وهي : أولاً : ما كانت بغير العربية ثانياً : ما كانت غير مفهومة المعنى ثالثاً : إذا اشتملت على الشرك ، أو أسماء للجن ، أو ملوكهم ، وما لا معنى له من حروف مقطعة ، أو نحوها رابعاً : أن يعتقد أنها مؤثرة بذاتها ، حتى لو كانت مما توفرت فيها الشروط المتقدمة ، والرقى الشرعية وأفضلها ما كان من القرآن الكريم لقوله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ) ( سورة الاسراء – الآية 82 )
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : ( فالرقية الشرعية هي التي يكون فيها توحيد الله جل وعلا استعانة واستعاذة وفيها الإقبال على الله جل جلاله دونما سواه ، ولهذا العلماء قالوا إن الرقية تجوز بشروط ثلاثة وذكر – حفظه الله – هذه الشروط كما بينها العلماء ) ( مجلة الدعوة – صفحة 21 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
وقال أيضا : ( والرقية لا بد أن تكون باللغة العربية وهذا شرط من شروط شرعيتها أو بما يفهم معناه من غير العربية وإذا كانت باللغة العربية يجب أن تكون معلومة المعنى ليست كلمات متقاطعة وكلمات لا يعرف معناها وأسماء مجهولة فلا بد أن تكون الرقية بأسماء الله جل وعلا وصفاته أو بما أبيح من أدعية التي فيها التوسل بأسماء الله وصفاته ولا يكون في الرقية أسماء مجهولة وقد سئل الإمام مالك - رحمه الله – عن الرقية التي فيها أسماء مجهولة فقال : وما يدريك لعلها كفر بمعنى أن تكون الرقية بأسماء شياطين أو ملائكة فينادون ويتقرب بهم ويتوسلون بهم فيكون ذلك كفراً ) ( مجلة الدعوة – صفحة 21 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة - رضي الله عنهـا وامرأة تعالجهـا أو ترقيها ، فقال : ( عالجيها بكتاب الله ) ( أخرجه ابن حبان في صحيحه - برقم ( 1419 ) - السلسلة الصحيحة 1931 ) وفي الحديث مشروعية الترقية بكتاب الله تعالى ، ونحوه مما ثبت عن النبي صلى الله علية وسلم من الرقى ، كما ثبت عن الشفاء قالت : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي ( ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ؟ ) ( أخرجه الحاكم في المستدرك - 4 / 56 ، 57 ، والنسائي في "السنن الكبرى"- 4 / 366 - كتاب الطب ( 38 ) - برقم ( 7543 ) - السلسلة الصحيحة 178 )
وأما غير ذلك من الرقى فلا تشرع ، لا سيما ما كان منها مكتوباً بالحروف المقطعة ، والرموز المغلقة ، التي ليس لها معنى سليم ظاهر ، كما ترى أنواعاً كثيرة منها في الكتاب المسمى بـ ( شمس المعارف الكبرى ) ونحوه ) ( السلسلة الصحيحة – 566 /4) قال الهيثمي : ( وإن كانت العزيمة أو الرقية مشتملة على أسماء الله تعالى وآياته والأ قسام به ، جازت قراءتها على المصروع وغيره وكتابتها كذلك ) ( الفتاوى الحديثة - ص 120 )
يقول الدكتور عمر الأشقر : ( والرقية ليست مقصورة على إنسان بعينه ، فإن المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ، ويمكن أن يرقي غيره ، وأن يرقيه غيره ، ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ، ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها ، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع ، وكلما كان أكثر صلاحاً كان أكثر نفعاً ، لأن الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) (عالم السحر والشعوذة - ص 204 ) ( سورة المائدة - الآية 27 ) وبذلك يتبين لنا أن الرقى لا بد أن تكون شرعية فلا تصح الرقى الشركية ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك )
الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذا البحث وأدعو الله أن أكون قد وفقت في الشرح، وأرجو أن يكون عملي هذا خالصاً لوجه الله الكريم،وقد جمعت لكم هذه المادة من عدة رسائل لتعم الفائدة للجميع وليطلع عليها كلمن له استفسار ولكثرة ما نسال عن هذا الأمر جمعت هذة المادة لتكون شاملة مبينة مع الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ومن الحياة العملية ومن خبراتي أخوكم العبد الفقير إلى الله / إبراهيم المنجى
معنى الرقية في اللغة والاصطلاح أولاً :
المعنى اللغوي للرقية :
* - قال أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي : ( رقيته أََرقيه رقيا " من باب رمى" أى عوذته بالله ، والاسم " الرقيا " على " فُعلى " والمرة " رقية " والجمع " رقى " ) انظر ( المصباح المنير - 1 / 236 ) *
- وقال الجوهري : ( تقول منه : استرقيته فرقاني رقية فهو راق ) انظر ( الصحاح " تاج اللغة وصحاح العربية " - 6 / 2361 ) * - قال ابن سيده : ( الرقية هي العوذة ، قال عروة : فما تركا من عوذة يعرفانها ولا رقيـة إلا بها رقياني ) انظر ( المحكم والمحيط الأعظم في اللغة - ابن سيده - 6 / 309 )
* - قال الأزهري : ( رقى الراقي رقية ورقيا : إذا عوذ ونفث ) انظر ( تهذيب اللغة - 9 / 293 ) * - قال ابن الأثير : ( الرقية : العوذة التي يرقي بها صاحب الآفة ، كالحمى والصرع ، وغير ذلك من الآفات ) انظر ( النهاية في غريب الحديث - 2 / 254 )
* - قال ابن منظور : ( والرقية : العوذة ، معروفة ، والجمع رقى 0 وتقول : استرقيته فرقاني رقية ، فهو راق ، وقد رقاه رقيا ورقيا 0 ورجل رَقاء : صاحب رقى0 يقال : رقى الراقي رقية ورقيا إذا عوذ ونفث في عُوذته ) انظر ( لسان العرب - 14 / 332 )
* - قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( " رقى " هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء من القرآن ، ومما صح من السنة 0 وأما ما اعتاده الناس من الكلام المسجوع الممزوج بكلمات لا يفهم لها معنى ، وقد تكون من الكفر والشرك ، فإنها ممنوعة 0 ومن السخافات ما يضاف إليها من الخبز بعد أن تدخل فيه السكين أو السيخ ، أو الماء بعد أن يوضع في أوان كتب عليها بعض الكلام ، أو وضع فيها الأوراق التي كتب عليها الكلام والطلسمات ، فإنها من عمل الشيطان ، وتخريف أدعياء العلم ، ويساعد عليها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0 ولو صح قول النبي صلى الله علية وسلم : " هي من قدر الله " فمعناه : أن قدر الله كائن لا يرد ) ( ضعيف سنن الترمذي - ص 231 - 232 ) ثانياً : المعنى الشرعي للرقية : لا يختلف معنى الرقية في الشرع عن المعنى اللغوي كثيراً إذ الرقية هي العوذة في اللغة أي الملتجأ 0 ( القاموس المحيط - مادة " عوذ " 428 ) فالمرقي يلتجئ إلى الرقية لكي يشفى مما أصابه وسواء تلك الرقية كانت مشروعة أو ممنوعة هذا في اللغة أما في الشرع فالمراد بالرقية المشروعة : هي ما كان من الآيات القرآنية أو الأدعية المشروعة 0
وقد عرفها بعض أهل العلم بما يلي :
* - قال شمس الحق العظيم أبادي : ( الرقية : هي العُوذة بضم العين أي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء ) ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود - 10 / 370 )
* - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء ) ( مجموع الفتاوى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 )
* - قال سعد صادق محمد : ( والرقى في الحقيقة دعاء وتوسل يُطلب فيها من الله شفاء المريض وذهاب العلة من بدنه ) ( صراع بين الحق والباطل - ص 147 ) يقول الله سبحانه وتعالى : { كَلاّ إِذَا بَلَغَتِ التّرَاقِي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } ( القيامة:27) وفي سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي خزَامَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ : ( أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ) وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ : ( عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ ) وعند مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُول : ( رَخَّصَ النَّبِيُّ لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ قَالَتْ لا وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ ) وفي سنن الترمذي عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ اللَّهِ وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ قَالَ فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا . صـفة الرقيـة أن يقرأ الراقي على محل الألم ، أو على يديه للمسح بهما ، أو في ماء ونحوه ، وينفث إثر القراءة نفثا خاليا من البزاق ، وإنما هو نفس معه بلل من الريق أ.هـ " فتح الباري كتاب المرضى " جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية (الجزء الأول) للشيخ عبدالله الجبرين س : ما هي صفة الرقية الشرعية ؟ وماذا ينبغي أن يكون عليه الراقي والمرقي من أمور؟ ج : المختار جواز العلاج بالرقية الشرعية التي هي القراءة على المريض؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقال في الرقية : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل وأقر رفقة أبي سعيد على الرقية للديغ بالفاتحة وقال : وما أدراك أنها رقية؟ وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رقى بعض أصحابه، ورقاه جبريل لما سحره اليهودي فشفاه الله تعالى والرقية الشرعية هي القراءة بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وسورة الإخلاص، وآية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وأول سورة آل عمران، وآيات الشفاء، وآيات التخفيف، وآيات السكينة، وآيات التوحيد ونحو ذلك، ولا شك أن الراقي يكون مؤثرا إذا كان مستقيما مطيعا لله تعالى عاملا بالصالحات، متنزها عن السيئات، مبتعدا عن الحرام والفواحش ونحوها، وكذا لا بد أن المرقي عليه أيضا يكون مؤمنا صحيح الإيمان حسن المعتقد عاملا بالكتاب والسنة لقوله تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا وقوله تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى فمتى اتصف الراقي والمرقي بالصفات الحميدة أثرت الرقية بإذن الله . تأثير الرقية في المرقي *- يقول ابن القيم في الزاد : تعتمد الرقية على أمرين ، أمر من عند المعالِج وأمر من جهة المصروع فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبادئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان . والثاني من جهة المعالِج بان يكون فيه هذان الأمران أيضا حتى أن بعض المعالجين من يكتفي بقوله " اخرج منه " أو يقول " بسم الله " أو يقول" لا حول ولا قوة إلا بالله " ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول " أخرج عدو الله أنا رسول الله " ويقول في مدارج السالكين : ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة وقبول من الطبيعة المنفعلة فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية ولم تقو نفس الراقي على التأثير لم يحصل البرء . فهنا أمور ثلاثة موافقة الدواء للداء وبذل الطبيب له وقبول طبيعة العليل فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى ، ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقى وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقى وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره وحسن تأمله والله أعلم . * - يقول الدكتور عمر الأشقر : أحب أن انبه هنا إلى أن الرقى ليست مقصورة على إنسان بعينه، فان المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ويمكن أن يرقي غيره ، وأن يرقيه غيره ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع وكلما كان أكثر صلاحاً كان أكثر نفعاً لأن الله يقول (إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ ) (المائدة 27 ) ولا صحة لما يدعيه بعض الذين يلجأ إليهم الناس من أن لهم خصوصية في نفع رقاهم لأخذهم العهد على الشيخ أو صاحب الطريقة ، فإن هذا لا أصل له وهو من الضلال، فالرقية دعاء والتجاء إلى الله والله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ( وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (غافر :60 ) أ. هـ. ومن الأمور التي تساعد على تأثير الرقية في المرقي هي قناعة وتقبل المريض للرقية والراقي، فإذا فقد لم يكن المريض يعتقد بمنفعة الرقية من بعد إذن الله تعالى وكان فاقد الثقة والارتياح والانشراح للمعالج الذي يعالجه فإن ذلك يفقد الرقية كل أثر . ومنها معرفة الراقي وخبرته في مجال الرقية شهوراً وسنيناً، وتشخيص الحالة، ومعرفته للآيات المناسبة للمرض ، وخبرته في استدراج ومجاهدة ومقارعة الشياطين وسحرة الجن . ومنها إقبال الراقي على الرقية ، فالنفس لها إقبال وإدبار ، ولذلك تلاحظ اختلافاً بَينًّا في قوة الرقية لنفس الراقي،فربما كان الراقي مُجهَداً نفسياً وبدنياً منشغل البال فتكون رقيته قليلة الأثر والنفع ، أما إذا كان صافي الذهن نشيط البدن مقبِِلاً على الرقية عندها يحصل النفع بإذن الله تعالى . يقول ابن قتيبة الدينوري في شرحه لقول الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) أي استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تَعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله ؛ فإذا حصل المؤثر وهو القرآن ، والمحل القابل وهو القلب الحي ، ووجد الشرط وهو الإصغاء ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه إلى شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر ا.هـ ( انظر كتاب الفوائد لشمس الدين ابن قيم الجوزية ص 16) شـروط الرقيـة يقول ابن حجر العسقلاني : يستخلص من كلام أهل العلم أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها ثلاثة شروط : 1- أن لا يكون فيها شرك ولا معصية . 2- أن تكون بالعربية أو ما يفقه معناه . 3- أن لا يعتقد كونها مؤثرة بذاتها بل بإذن الله تعالى .
* - قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : - ( وأما معالجة المصروع بالرقى، والتعويذات فهذا على وجهين أ - فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناه ومما يجوز في دين الإسلام أن يتكلم بها الرجل داعياً الله ذاكراً له ومخاطباً لخلقه ونحو ذلك - فإنه يجوز أن يرقى بها المصروع ويعوذ ، فإنه قد ثبت في الصَحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أذن في الرقى ، ما لم تكن شركاً ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم ( 2200 ) ب – وإن كان في ذلك كلمات محرمة مثل : أن يكون فيها شرك أو كانت مجهولة المعنى يحتمل أن يكون فيها كفر – فليس لأحد أن يرقى بها ولا يعزم ولا يقسم ، وإن كان الجن قد ينصرف عن المصروع بها فإن ما حرمه الله ورسوله ضرره أكثر من نفعه ) ( مجموع الفتاوى - 23 / 277 ) وقال في موضع آخر : ( وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفقه بالعربية فيها ما هو شرك بالجن ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها ، لأنها مظنة الشرك وإن لم يعرف الراقي أنها شرك وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله : كيف ترى في ذلك فقال : ( اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم ( 2200 ) وقال أيضا ( وليس للعبد أن يدفع كل ضرر بما شاء ولا يجلب كل نفع بما يشاء بل لا يجلب النفع إلا بما فيه تقوى الله ولا يدفع الضرر إلا بما فيه تقوى الله ، فإن كان ما يفعله في العزائم والأقسام ، ونحو ذلك مما أباحه الله ورسوله – فلا بأس به ، وإن كان مما نهى الله عنه ورسوله لم يفعله ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 280 )
وقال : ( ولا يشرع الرقى بما لا يعرف معناه لا سيما إن كان فيه شرك ، فإن ذلك محرم ، وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك ، وقد يقرأون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك ، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله ) ( إيضاح الدلالة في عموم الرسالة - 45 )
وسئل عمن يقول : يا أزران : يا كياان ! هل صح أن هذه أسماء وردت بها السنة ، ولم يحرم قولها ؟ فأجاب - رحمه الله - : ( الحمد لله لم ينقل هذه عن الصحابة أحد ، لا بإسناد صحيح ، ولا بإسناد ضعيف ، ولا سلف الأمة ، ولا أئمتها وهذه الألفاظ لا معنى لها في كلام العرب ؛ فكل اسم مجهول ليس لأحد أن يرقي به ، فضلا عن أن يدعو به ولو عرف معناها وإنه صحيح ، لكره أن يدعو الله بغير الأسماء العربية ) ( مجموع الفتاوى – 24 / 283 )
* - قال النووي : ( الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة لا نهي فيه ، بل هو سنة وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى ) ( صحيح مسلم بشرح النووي - 13،14،15 / 341) وقال النووي : ( قال الخطابي : وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالرقية ، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة ، وإنما جاءت الكراهية منها لما كان بغير لسان العرب ، فإنه ربما كان كفراً أو قولاً يدخله الشرك ويحتمل أن يكون الذي كره من الرقية ، ما كان منها على مذاهب الجاهلية في العوذ التي كانوا يتعاطونها ويزعمون أنها تدفع عنهم الآفات ، ويعتقدون أنها من قبل الجن ومعونتهم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي 13،14،15 )
* - قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( قال ابن التين : الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى ، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له ، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم ، ويقال : أن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم ، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها ، وكذا اللديغ إذا رقى بتلك الأسماء سالت سمومها من بدن الإنسان ، فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئا من الشرك ، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب علماء الأمة ) ( فتح الباري - 10 / 196 ) * - قال الشوكاني : ( جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور ، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور ) ( نيل الأوطار - 3 / 291 )
* - قال الدكتور إبراهيم بن محمد البريكان - حفظه الله : - ( ويشترط للرقى المباحة عدة شروط هي : أولاً : أن تكون بكلام الله ، أو بأسمائه ، أو صفاته ، أو بالأدعية النبوية المأثورة عنه في ذلك ثانياً : أن تكون باللسان العربي ثالثاً : أن تكون مفهومة المعنى رابعاً : ألا تشتمل على شيء غير مباح ، كالاستغاثة بغير الله أو دعاء غيره ، أو اسم للجن ، أو ملوكهم ونحو ذلك خامساً : ألا يعتمد عليها سادساً : أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها ، بل بإذن الله القدري فإن اختل شرط من تلك الشروط فهي رقية محرمة ،فإن اعتقد أنها الفاعلة أو سبب مؤثر كان ذلك كفرا أكبر ، وإن اعتقد مقارنتها للشفاء كان ذلك شركاً أصغر وعليه ، فالرقى على قسمين : رقى شرعية : وهي ما توفرت فيها الشروط المتقدمة ، ورقى بدعية : وهي ما اختل فيها شرط من شروط الرقية الشرعية ، وهي : أولاً : ما كانت بغير العربية ثانياً : ما كانت غير مفهومة المعنى ثالثاً : إذا اشتملت على الشرك ، أو أسماء للجن ، أو ملوكهم ، وما لا معنى له من حروف مقطعة ، أو نحوها رابعاً : أن يعتقد أنها مؤثرة بذاتها ، حتى لو كانت مما توفرت فيها الشروط المتقدمة ، والرقى الشرعية وأفضلها ما كان من القرآن الكريم لقوله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ) ( سورة الاسراء – الآية 82 )
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : ( فالرقية الشرعية هي التي يكون فيها توحيد الله جل وعلا استعانة واستعاذة وفيها الإقبال على الله جل جلاله دونما سواه ، ولهذا العلماء قالوا إن الرقية تجوز بشروط ثلاثة وذكر – حفظه الله – هذه الشروط كما بينها العلماء ) ( مجلة الدعوة – صفحة 21 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
وقال أيضا : ( والرقية لا بد أن تكون باللغة العربية وهذا شرط من شروط شرعيتها أو بما يفهم معناه من غير العربية وإذا كانت باللغة العربية يجب أن تكون معلومة المعنى ليست كلمات متقاطعة وكلمات لا يعرف معناها وأسماء مجهولة فلا بد أن تكون الرقية بأسماء الله جل وعلا وصفاته أو بما أبيح من أدعية التي فيها التوسل بأسماء الله وصفاته ولا يكون في الرقية أسماء مجهولة وقد سئل الإمام مالك - رحمه الله – عن الرقية التي فيها أسماء مجهولة فقال : وما يدريك لعلها كفر بمعنى أن تكون الرقية بأسماء شياطين أو ملائكة فينادون ويتقرب بهم ويتوسلون بهم فيكون ذلك كفراً ) ( مجلة الدعوة – صفحة 21 - العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ )
قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة - رضي الله عنهـا وامرأة تعالجهـا أو ترقيها ، فقال : ( عالجيها بكتاب الله ) ( أخرجه ابن حبان في صحيحه - برقم ( 1419 ) - السلسلة الصحيحة 1931 ) وفي الحديث مشروعية الترقية بكتاب الله تعالى ، ونحوه مما ثبت عن النبي صلى الله علية وسلم من الرقى ، كما ثبت عن الشفاء قالت : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي ( ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ؟ ) ( أخرجه الحاكم في المستدرك - 4 / 56 ، 57 ، والنسائي في "السنن الكبرى"- 4 / 366 - كتاب الطب ( 38 ) - برقم ( 7543 ) - السلسلة الصحيحة 178 )
وأما غير ذلك من الرقى فلا تشرع ، لا سيما ما كان منها مكتوباً بالحروف المقطعة ، والرموز المغلقة ، التي ليس لها معنى سليم ظاهر ، كما ترى أنواعاً كثيرة منها في الكتاب المسمى بـ ( شمس المعارف الكبرى ) ونحوه ) ( السلسلة الصحيحة – 566 /4) قال الهيثمي : ( وإن كانت العزيمة أو الرقية مشتملة على أسماء الله تعالى وآياته والأ قسام به ، جازت قراءتها على المصروع وغيره وكتابتها كذلك ) ( الفتاوى الحديثة - ص 120 )
يقول الدكتور عمر الأشقر : ( والرقية ليست مقصورة على إنسان بعينه ، فإن المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ، ويمكن أن يرقي غيره ، وأن يرقيه غيره ، ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ، ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها ، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع ، وكلما كان أكثر صلاحاً كان أكثر نفعاً ، لأن الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) (عالم السحر والشعوذة - ص 204 ) ( سورة المائدة - الآية 27 ) وبذلك يتبين لنا أن الرقى لا بد أن تكون شرعية فلا تصح الرقى الشركية ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك )
الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذا البحث وأدعو الله أن أكون قد وفقت في الشرح، وأرجو أن يكون عملي هذا خالصاً لوجه الله الكريم،وقد جمعت لكم هذه المادة من عدة رسائل لتعم الفائدة للجميع وليطلع عليها كلمن له استفسار ولكثرة ما نسال عن هذا الأمر جمعت هذة المادة لتكون شاملة مبينة مع الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ومن الحياة العملية ومن خبراتي أخوكم العبد الفقير إلى الله / إبراهيم المنجى