أهلا رمضان
كلما بزغ هلال شهر رمضان من عام جديد للقمر ، فرض الشهر الكريم على الدنيا أن تسترجع ذكرى المَبْعَث ، من حيث بدأ التاريخ يسير مع المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فما مضى على الإسلام نصف قرن حتى كان لواء الإسلام يظل العالم القديم من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب .
الملايين من المسلمين فى شتى أقطار الأرض ، على موعد مع هذا الشهر البارك . ينتظرونه فى لهفة وترقب ، وأعناقهم مشرئبة إلى أعالى الآفاق ، ترصد مولد هلاله الأغر؛ ليبدءوا به موسمهم الأكبر ، ويخوضوا معلركتهم الفذة فى مجاهدة النفس ، وهى أشق أنواع الجهاد . ومن بين شهور العالم كله ، ينفرد " رمضان " بالذكر فى كتاب الإسلام ، تسجيلا لحرمته وجلاله :
( شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )
وحين يخضع الإحتفال بالمناسبات التاريخية والأعياد الدورية ، للأعراف والعادات والتقاليد ، ويترك لظروف الزمان والمكان ، يظل إحتفالنا بشهر رمضان صوما وعبادة ومجاهدة ، تستغرق كل أيامه ولياليه ، من بدء شهود هلاله إلى أن يتم القمر دورته ويبزغ هلال شوال إيذانا بعيد الفطر .والقرآن هو الذى تولى تشريع الإحتفال به على ما يليق بجلاله ، لكيلا يمضى على مألوف الإحتفال بالأعياد ، تتوه عبرتها فى ضجيج طبل وزمر ورقص وغناء ، وتـُلتمس فيها الفرص للتحلل من القيود ، والإقبال على المتع والملذات فى تهالك وإسراف .
وليكون لنا من شهر القرآن ، موسم تدريب جماعى ، يأخذنا بضبط النفس على إحتمال مشاق التكلبف ، والصبر عليها تحت رقابة الله والضمير ، ويروضنا على تحمل الحرمان من المطالب الجسدية التى تذل الإرادة والمتع الحسية التى تفل العزم ، ويحررنا من أسر الماديات التى تعطل فينا إنسانية الإنسان ، ويبلو ضمائرنا فى الرقابة على سلوكنا لكيلا تلين تحت وطأة الظروف القاسية .
وتحيا الأمة الإسلامية فى مناخ روحى يتألق بنور الإيمان والتقوى ، ويتوهج بالحق والخير والأمر بالمعروف والتناهى عن الشر والمنكر :
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( آل عمران:104(
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور .
اللهم وفقنا لصيام هذا الشهر الكريم على الوجه الذى يرضيك ، واجعلنا فيه من عتقائك من النار برحمتك يا أرحمالراحمين .
وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .