ماذا يعني الاحتساب ؟
إخوتى ..أخواتى .. على درب الله ..
يقول أهل العلم أنَّ الاحتساب هو : ”
المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه
المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجو منها “
أي أنَّ الاحتساب هو أن تنوي وتطلب
الثمرات التي تُرجى عند القيام بالعمل الصالح ، وهذا – بطبيعة الحال –
يكون محله القلب لا اللسان ، فتهفو النفس ، ويتطلع القلب ، ويعزم على نيل
هذه المطالب العظيمة من وراء هذا العمل الصالح .
ولذلك رغبنا الله إلى طلب الجنة والعمل
لها . قال تعالى : ] ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان
سعيهم مشكورا [ [الإسراء : 19] فأخبر أن السعي المشكور : سعي من أراد
الآخرة . وقال تعالى :
] وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [ [آل عمران/145 ]
ومن هنا رُتِّب على القيام بالأعمال منح عظيمة ، حتى يحتسبها العبد الصالح ، فتكون حافزًا له ، يسوق بها نفسه إلى الله .
أخي الحبيب ..
إنَّ في الاحتساب فوائد عظيمة :
(1) امتثال أمر الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(2) وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام .
(3) ومدعاة للإخلاص ، والبعد عن شبه الرياء ، فلا تريد من أحد جزاءً ولا شكورًا .
(4) ومن علامات حسن الظن بالله .
(5) ويزيد المرء ثقة بربه ، ويجعله قرير العين ، مسرور الفؤاد بما يدخره عند إلهه وسيده ومولاه .
(6) وهو يزكي العمل ، فيتضاعف الرصيد الإيماني .
(7) وهو سبب لتقوية العزم ، وشحذ الهمم .
( وهو يزيد العبد رفعة عند ربه .
قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص
رضى الله عنه : ] إنَّك لن تخلف عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به
درجة ورفعة [ [ رواه البخاري ]
(9) والمداومة على ” الاحتساب ” تجعل حياتك كلها طاعات ، والطاعة طريق موصل إلى محبة الله تعالى ، وحينها لا تسأل عن النعيم .
(10) بالاحتساب توهب لك أعمالك عند طروء عذر شرعي منعك من القيام به .(1)
قال صلى الله عليه وسلم : ] إذا مرض العبد أو سافر : كُتب له مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [ [ رواه البخاري ]
أخي الحبيب ..
لذلك فإنَّ دراسة ” المقاصد والنيات ” للأعمال من أهم ما ينبغي لعمَّال الآخرة أن يعالجوه .عن يحيى بن أبي كثير
قال : ” تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل “
فعلينا أن نتعلم كيف نستحضر نوايا في
الأعمال ، وهذا يحسن بمطالعة كلام السلف في أسرار الطاعات والعبادات ،
وجمع الفضائل التي ذكرها الشرع في كل عمل ، ثمَّ عقد القلب على تلك النيات
.
ولربما تسأل : لماذا لا تجد – مثلاً – في كلام السلف ما ينبغي احتسابه عند كل عمل طالما للاحتساب هذه
المنزلة ؟
والجواب : أنَّ هؤلاء كانوا أصحاب قلوب طاهرة نقية ، قلوب تعلقت بالله ، فخرج منها النور ، فكانوا محتسبين بالفطرة
عن أبي بن كعب رضى الله عنه قال : كان
رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه ، كانت لا تخطئه صلاة ،
فقيل له : لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء .
فقال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد جمع الله لك ذلك كله
وفي رواية : فتوجعت له فقلت له يا فلان
لو أنك اشتريت حمارا يقيك الرمضاء وهوام الأرض قال : أما والله ما أحب أن
بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم قال فحملت به حملا حتى أتيت نبي
الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فدعاه فقال له مثل ذلك وذكر أنه يرجو أجر
الأثر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ] لك ما احتسبت [ [رواه مسلم وابن
ماجه بنحو الثانية وصححه الألباني (308) في صحيح الترغيب ]
فهذا حالهم ، أمَّا نحن فنحتاج أن نتعلم
كيف ننوي ونحتسب ونجاهد أنفسنا على هذه المعاني حتى تخرج منها سجية
.فتعالوا بنا نفتح صفحات الأعمال الصالحة التي ينبغي أن نقوم بها في رمضان
على جناحي ” الإيمان والاحتساب ” سائلين الله التوفيق والرشاد ، إنَّه
ولي ذلك والقادر عليه
لمــــاذا “اعمـــل و احتســــب” ؟
إخوتاه…
فقد هبَّت نسائم الرحمة ، ووصلت البشارة للمنقطعين بالوصل ، وللمذنبين بالعفو ، وللمستوجبين النَّار بالعتق ،
فيا لها من بشارة سارة !!
فما أشرف من أكرمه المولى العظيم
وما أسعد من خصَّه بالتشريف والتعظيم ، وما أقرب من أهَّله للفوز والتقديم
فما بالهم وقد أثنى عليهم العزيز الرحيم ] إنَّ الأبرار لفي نعيم[
قد سلسل الشيطان
وأُخمدت النيران
وانعزل سلطان الهوى
فلم يبق للعاصي عذر
فيا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي
ويا شموس التقوى والإيمان اطلعي
يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي
يا قلوب الصائمين اخشعي
يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك و اركعي
يا عيون المجتهدين لا تهجعي
يا ذنوب التائبين لا ترجعي
يا أرض الهوى ابلعي ماءك و يا سماء النفوس أقلعي
ويا همم المحبين بغير الله لا تقنعي
فقد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوام ، فما منكم إلا من دعي : ] يا قومنا أجيبوا داعي الله [
و يا همم المؤمنين اسرعي ، فطوبى لمن أجاب فأصاب ، و ويل لمن طرد عن الباب و ما دُعي
إخوتاه ..
قال صلى الله عليه وسلم :
] من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه[ [ متفق عليه]
وقال صلى الله عليه وسلم : ] ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه[ [ متفق عليه ]
كلما هلَّ رمضان كانت تستوقفني هذا
التقييد النبوي ” إيمانًا واحتسابًا ” ، ولا يروي ظمأي ما كنت أقراه في كتب
الشروح ، بل كنت أطمع في المزيد ، فعمدت مرة إلى جمع الأحاديث التي ورد
ذكر ” الاحتساب ” فيها ، واسترعى انتباهي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم
ذكرها في مناسبة ذكر الأعمال العظيمة الأجر :
كالجهاد في سبيل الله ، فعن أبي قتادة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أنَّ الجهاد في سبيل
الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن
قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم : نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل
الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت
صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإنَّ جبريل عليه السلام . [ رواه مسلم
]
والصبر عند نزول البلاء الشديد ، عن عائشة
رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنَّه عذاب يبعثه الله على من يشاء ،
وأنَّ الله جعله رحمة للمؤمنين ، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده
صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر
شهيد . [ رواه البخاري ]
واتباع الجنائز ، قال صلى الله عليه وسلم
: ] من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ، وكان معه حتى يصلى عليها ،
ويفرغ من دفنها ، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ، كل قيراط مثل أحد ، ومن
صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط [ [ رواه البخاري ]
خصصنا هذا الركن لاحتساب نوايا اعمالنا فى هذا الشهر الكريم . و جمعنا ما امكن
احتسابه من نيات للأعمال الصالحة في
رمضان ، على أنْ نراعى من ناحية ” الإيمان ” كيفية أداء هذه الأعمال ،
مراعاة آدابها ، حتى تكون على مظنة القبول
ولهذا كانت هذه الحملة “اعمـــل و احتســــب”
سنسعى في احتساب اعمالنا من الآن وعلى مدار شهري رجب وشعبان …
على أن نتناول كل يومان نوايا عمل من الأعمال الصالحة، ونجتهد في تثبيتها في حياتنا اليومية
وقد وجدنا أن بإمكان كل شخص لو حرص على الاحتساب أن يتضاعف اجره الى ما شاء الله
فشمروا عن الهمــــم و استعينوا باللـــــه واحتسبوا
المصدر: كتيب “يومك فى رمضان ايماناً واحتساباً” للشيخ هانى حلمى